في إحدى الليالي التقى تشارلز شواب رئيس شركة بيت لحم ستيل في أوائل القرن العشرين بأيفي لي استشاري العلاقات العامة والإدارة فقال له شواب: «إننا نعلم ما يتعين علينا فعله. ولكن إذا استطعت أن تكشف لنا عن طريقة مبسطة نستطيع من خلالها إنجاز مهامنا بشكل أفضل فسأنصت إليك وسأجزل لك العطاء». فأجابه أيفي: «إنني أستطيع مساعدتك. وإنني لن آخذ من وقتك سوى 20 دقيقة فحسب» وطلب منه شواب أن يزوره في مكتبه في الغد. وفي الموعد المحدد جلس أيفي مع شواب وأعطاه صفحة بيضاء وقال له: «دون أهم 6 أشياء يتعين عليك القيام بها غدًا». فأجاب شواب طلبه وكتبها على الورقة وبعدما انتهى شواب من الكتابة. قال له أيفي: «والآن قم بترقيمها حسب أهميتها بالنسبة لك وللشركة». وعندما انتهى شواب من ترقيمها حسب الأهمية تابع أيفي بقوله: «والآن ضع هذه الورقة في جيبك وأول شيء تفعله صباح غد هو النظر إلى البند رقم واحد فحسب. واشرع في العمل على إنجازه ولا تفعل شيئًا آخر حتى تنجزه. ثم تعامل مع البند الثاني بنفس الطريقة. فالثالث. وهكذا حتى موعد مغادرة العمل. ولا تجزع إذا لم تنته سوى من بند واحد أو اثنين في اليوم؛ لأنك تكون قد عملت على إنجاز أكثر البنود أهمية. وبقية البنود لن يتسنى لك إنجازها بأي طريقة مهما كانت. وفي غياب نظام ما قد تستغرق المهام عشرة أضعاف الوقت الذي استغرقته فيها بالفعل لو تعاملت معها وفق نظام معين. وربما أنك حتى لن تتمكن من ترتيبها الترتيب الصحيح وفقًا لأهميتها». وأضاف أيفي: «قم بتلك الخطوات في كل يوم عمل لك وبعد أن تقتنع بأهمية هذا النظام شجع العاملين لديك على تجربته وقم بتجربة النظام لأطول فترة تراها مناسبة. وبعدها أرسل لي شيكًا بالمبلغ الذي ترى أن الفكرة تستحقه». وفي غضون أسابيع قلائل. أرسل شواب إلى أيفي شيكًا بمبلغ 25000 دولار، وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت بالإضافة إلى خطاب مقرًا فيه بأن هذا هو أكثر الدروس التي تعلمها ربحية. وبعدها بفترة ليست بالطويلة صارت شركة بيت لحم ستيل أضخم شركة مستقلة منتجة للصلب في العالم. إن من الأشياء المسلم بها هو أن كل فرد منّا يمتلك 24 ساعة في اليوم يتساوى في ذلك الكبير والصغير والعالم والجاهل والغني والفقير والذكر والأنثى والذكي والبليد. وهو رأس المال الحقيقي المتاح للإنسان والنادر جدًا. وهو وعاء كل إنتاج وإنجاز في هذه الحياة ونحن نختلف بشدة في كيفية إنفاق هذا الوقت باختلافنا كبشر. ويتميز الوقت بأنه أغلى وأثمن ما يملك الإنسان بل هو الوجود نفسه، وهو محدود جدًا، ويمضي سريعًا من دون أن نشعر به وما ذهب منه فلا يمكن تعويضه ولا إرجاعه أبدًا بأي حال من الأحوال. لذلك فإن من أساسيات النجاح في الحياة استغلال الوقت الأمثل وقد خرجت نظريات كثيرة وأفكار كلها من أجل تسهيل وتمكين الإنسان من التحكم في وقته ولتحسين استغلاله. وفي الدول المتقدمة نجد أن الدقيقة لها قيمتها ولها أثرها في الإنتاج والتقدم على مستوى الفرد والدولة. وما الخطة التي قدمها أيفي إلى شواب إلا إحدى الوسائل الفعالة في إدارة الوقت والتركيز على المهم. ولا يمكن إدارة الوقت بصورة فعالة من دون تحديد وضبط الأولويات لأنها تعتبر الأساس في عملية إدارة الوقت. وكم نحتاج نحن في العالم العربي من استغلال الوقت في الجوانب المفيدة والنافعة حتى نستطيع النهوض بأمتنا وتحقيق النجاح في الدنيا والفوز بالآخرة. يقول ابن القيم رحمه الله: «فالعارف لزم وقته. فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها. فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت. وإن ضيعه لم يستدركه أبدًا، فوقت الإنسان عمره في الحقيقة. وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم. ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم. وهو يمر أسرع من مر السحاب. فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره. وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته. وإن عاش فيه عيش البهائم. فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير له من حياته». أكاديمى وكاتب قطرى [email protected] http://twitter.com/AlThani_Faisal