في إحدى الليالي كان «جون كيلكولين» في أحد محلات بيع الكتب ولفت نظره دخول شخص إلى المحل وقيامه بسؤال موظف المحل «هل لديكم أيُّ كتب مبسطة حول نظام مايكروسوفت (دوس)، أو كتبٌ للمبتدئين في الكمبيوتر». وقال الرجل هذه العبارة بشيء من السخرية، فأجابه الموظف بالنفي وبعدما سمع الإجابة خرج من المحل. ولكن هذه العبارة لم تمر على «كيلكولين» مرورًا عابرًا بل أخذ يفكر فيها كثيرًا، وبعد تفكير وإنضاج للفكرة واستعانة بمساعدين مناسبين أطلق مشروعه المكون من (سلسلة كتب للمبتدئين) والتي نجحت إلى أن وصل عدد عناوينها 370 عنوانًا وترجمت إلى 31 لغة وبِيعَ منها أكثرُ من 60 مليون نسخة حول العالم ودرَّت على «كيلكولين» عشرات الملايين من الدولارات. لقد كان لدى الشخص السائل فكرة رائعة تمثل ثروة كبيرة ولكن بما أنه لم يفكر بطريقة صحيحة فقد أضاع من يديه ثروة عظيمة انتقلت إلى الشخص الذي أدرك أهمية هذه الفكرة وآمن بها وعمل عليها وعرف كيف يستثمرها حتى تحولت إلى مشروع ناجح أشبه ما يكون بمنجم ذهب فاستطاع بحسن تفكيره أن يجني من هذه الفكرة أرباحًا مجزيةً. يقول رجل الصناعة «هارفي فايرستون»: إن رأس المال ليس شديد الأهمية في عالم الأعمال وكذلك الخبرة؛ إذ يمكن للإنسان الحصول عليهما بأي شكل، ولكن الأهم هو الأفكار، فإذا كانت لدى الإنسان أفكار متميزة، فاعلم أن لديه الأصول الأساسية التي يحتاج إليها للنجاح وأنه لا حدود لما يمكنه إنجازه سواء في عمله أو في حياته عامة، وذلك لأن التفكير كنزٌ ثمينٌ يجهل قدره الكثير من الناس مع أنه المصدر الأساسي لكل الثروات وكل النجاحات وكل الكشوفات وكل الاختراعات وكل الإنجازات. وبغض النظر عن المهنة التي يسعى المرء لشغلها، فإن التفكير يتقدم على الإنجاز والنجاح لا يتأتى مصادفة سواء كان الشخص طبيبًا أو رجل أعمال أو نجارًا أو مدرسًا أو أبًا فإن معدل نجاحه سيزداد بصورة هائلة إذا أعطى وزنًا للتفكير قبل البدء بالعمل. وكلما زادت قدرات الشخص التفكيرية، كلما عظمت إمكاناته، وكما قال الكاتب المسرحي فيكتور هوجو: «الإنسان مصنوع من قليل من الأفكار». ولذلك فمن المهم جدًا أنه عندما تخطر لنا خاطرة أو تظهر فكرة أن نبادر بالتقاطها وتسجيلها ثم نفكر فيها بعمق حتى تنضج ثم نسعى إلى تنفيذها ولا نتهاون فيها ولا نتكاسل عنها ونؤجلها، لأنه كلما مر وقت أطول على الفكرة قلَّ وهجها هذا إذا لم تُنس أصلًا فإن الأفكار عمرها قصير. وكلما أمضينا وقتًا أطول في التفكير بهدوء وتمهل من أجل إنضاج الفكرة، كلما تجلت لنا فيها جوانب مهمة تزيدها قوة وإشراقًا، وكلما زادت قدراتنا العقلية إشراقًا وتعمقت ملكة التفكير لدينا. ومن أجل زيادة قدرتنا على إتقان فن التفكير لابد أن نطور لدينا أنواع التفكير المختلفة، وأهمها: *التفكير الشمولي: وهو القدرة على التفكير بما يتجاوز شخص الإنسان وعالمه لكي تعالج الأفكار بمنظور شمولي. * التفكير المركز: وهو القدرة على التفكير في الأمور بصفاء بواسطة التخلص من عوامل التشتيت والفوضى الذهنية من عقل الإنسان. * التفكير الابتكاري: وهو القدرة على الخروج من قالب الإنسان الفكري المحدود واستكشاف الأفكار والبدائل للوصول إلى طفرة. * التفكير الواقعي: وهو القدرة على بناء أساس متين وفقًا للحقائق للتفكير بثقة. * التفكير الاستراتيجي: وهو القدرة على رسم خطط تمنح الإنسان وتزيد من إمكاناته في الغد. * التفكير التأملي: وهو القدرة على مراجعة الماضي لاكتساب رؤية صحيحة والتفكير بفهم. * الشك في التفكير الشائع: وهو القدرة على رفض حدود التفكير الشائع وتحقيق نتائج غير عادية. إن الأشخاص الذين لا يحرصون على ممارسة وتطوير عادة التفكير يحرمون أنفسهم من الاستفادة من هذا الكنز العظيم، ما يجعلهم غالبًا ما يجدون أنفسهم تحت رحمة الظروف الصعبة المحيطة بهم، وكثيرًا ما يعجزون عن حل المشكلات ويجدون أنفسهم في مواجهة عقبات الواحدة تلو الأخرى والسبب ببساطة أنهم لا يفكرون بصورة استباقية للحدث، ويحصرون أنفسهم في إطار الاستجابة ورد الفعل، يقول مثل ألماني: «محفظة فارغة أفضل من عقل فارغ». ويقول الشاعر: وأحزم الناس من لو مات من ظمأٍ لا يقربُ الوِردَ حتى يعرف الصَّدَرا من دَبّر العيش بالآراء دام له صفوًا وجاء إليه الخطْبُ مُعتذرا يهونُ بالرأي ما يجري القضاء به من أخطأ الرأيَ لا يستذنبُ القدرا ويقول العقاد: إن التفكير فريضة إسلامية ويشمل التفكير في القرآن الكريم العقل الإنساني بكل أنواعه وما احتواه من وظائف. وبالتالي يضاف إلى فوائد التفكير في نجاح الفرد وتميزه وتحقيقه لأحلامه أنه عبادة دينية مأمور بها يؤجر على فعلها، يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. أكاديمى وكاتب قطرى [email protected] http://twitter.com/AlThani_Faisal