ثمة رسالة طريفة تداولها بين العاملين في إحدى الشركات الأميركية الكبرى تقول: ما الفرق بين السجن والعمل؟ إن المرء في العمل يقضي غالب وقته في مساحة أقل بكثير عن مساحة تلك الزنزانة التي يقضي فيها السجين أغلب وقته. وفي السجن يمكنك الحصول على ثلاث وجبات مجانية في اليوم، بينما في العمل مسموح لك فقط باستراحة لتناول وجبة واحدة تقوم أنت بدفع ثمنها. وفي السجن يمكنك أن تحصل على إعفاء نتيجة لحسن سلوكك، بينما في العمل تتم مكافأتك على حسن سلوكك بإسناد المزيد من العمل إليك. وفي السجن يقوم السجان بفتح وغلق كل الأبواب لك، بينما في العمل تقوم بفتح وغلق كل الأبواب بنفسك وتضطر لحمل بطاقة الأمن. وفي السجن تستطيع مشاهدة التلفاز والاشتراك في الألعاب المختلفة، بينما في العمل يمكن أن تفصل لو لعبت أثناء أوقات العمل أو شاهدت التلفاز. وفي السجن تحصل على حمام خاص بك، أما في العمل فتحصل على دورة مياه مشتركة مع غيرك. في السجن كل مصاريفك يتم دفعها من الضرائب التي يتم تحصيلها من العاملين، ولا يطلب منك القيام بأي عمل، بينما في العمل أنت تتكفل بجميع المصاريف لتتمكن من الذهاب إلى العمل، وفي نهاية الشهر يخصمون الضرائب من راتبك لدفعها للمسجونين. وفي السجن غالبًا ما يعاني المراقبون والسجانون من السادية الفكرية، أما في العمل فيوجد أيضًا هذا النوع من الأشخاص، لكن يطلق عليهم لقب "مدير." ورغم السخرية الظاهرة في هذه الرسالة ورغم أنها تنطلق من ثقافة أخرى فإنها تقارب في الحقيقة مشاعر الكثير من الموظفين وتصور ما يعانونه من أجواء غير مريحة وربما سيئة في العمل، ونحن في النهاية كلنا موظفون بغض النظر عن نوع أو اسم الوظيفة سواء في العمل الحكومي أو في العمل الخاص أو العمل في المؤسسات ذات النفع العام أو المؤسسات التي تقدم خدمات مجتمعية مثل الجمعيات الخيرية وغيرها من المؤسسات، وإذا افترضنا -وهو ما تثبته الدراسات- أن الإنسان يقضي في المتوسط 8 ساعات يوميًا في عمله باستثناء العطل, فمعنى هذا إذا حذفنا ال8 ساعات التي يحتاجها الإنسان للنوم فإنه يقضي نصف وقته في العمل والنصف الآخر بين الأسرة والأصدقاء والأكل وغيرها من الأشغال. ولذلك فمن المهم جدًا أن نهتم بتوفير جو إيجابي ومحفز ومشجع على الإخلاص والعطاء يمكِّن العامل والموظف من الاعتزاز بذاته من خلال ما يحققه من إنجاز وإبداع. والأمم الحية تحرص على الاستفادة القصوى من أوقات العاملين سواء في القطاع العام أو الخاص وأن تُصرف في المجال الصحيح كما تحرص على الروح المعنوية لموظفيها لكي يعطوا كل ما يستطيعون خدمة لبلادهم, مما أنتج ما نراه عندهم من تقدم وازدهار. ويعتبر الاهتمام بأمور العاملين وحل مشاكلهم وتوفير الأجواء الصحية والمحفزة ماديًا ومعنويًا التي تلهمهم لكي يبدعوا وينجزوا أحد أهم التحديات التي تواجهها المجتمعات العربية اليوم حتى تصل في تقدمها ورقيها في الخدمات والمنتجات للمستوى العالمي. يقول «آن بروس»: إن علينا إبداء الحرص على مصالح العاملين والموظفين وعندها سيدركون أن مصالحهم بمصالح المؤسسة التي يعملون بها ومصالح الآخرين الذين يخدمونهم مرتبطة في كيان واحد وأن نجاحهم في إنجاز المهام المطلوبة منهم على أكمل وجه سيعود عليهم أيضًا بالنفع في نهاية المطاف. وقد كان منهج النبي عليه السلام مدرسة في هذا المجال حيث كان يحرص على احترام وتقدير من يعملون معه فقد قال أنس بن مالك: "خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ". [email protected] http://twitter.com/AlThani_Faisal