في كل عام يحدث التباين المعهود بين دول العالم الإسلامي في مواقيت دخول الأشهر القمرية,ويصل الفارق الزمني إلى ثلاثة أيام!! الأمر الذي لا يمكن تصديقه أو قبوله من الناحية الفلكية.. صحيح قد يدخل الشهر القمري خلال يومين بالنظر إلى اتساع رقعة العالم الإسلامي ، وامتداده الجغرافي من الشرق إلى الغرب,حيث يصل الفارق الزمني بين مناطقه إلى أكثر من عشر ساعات ..بل من الغريب جدا أن دولا في وسط هذا الامتداد ، وتتباين فيها مواقيت إعلان دخول في المدة ذاتها !! كيف يحدث ذلك؟ أغلب الظن أن الدوافع السياسية هي الباعث الأساسي لذلك ، والتي أصبحت تمارس بشكل يخل إخلالا واضحا بأوامر الشرع الحنيف !! فتحديد توقيت مولد الهلال أصبح متيسرا بما يملكه المختصون من إمكانيات علمية مؤكدة ولا يختلف عليها اثنان... وهذه الإمكانية أصبحت من ضمن ما في وسع الإنسان ,وبالتالي أصبحت من شروط استطاعته و تكليفه . كانت الوسيلة في السابق غير متاحة إلا بالرؤية المجردة(النظر) ومن هنا أصبحت هذه الإمكانية المحدودة ،ضمن إطار التشريع, وبما أنها ، لا تتاح إلا وقت الغروب ، فأصبحت مقرونة به ،بداهة . وبما أن العبرة بدخول الشهر تكمن في مولده ، الذي تترتب عليه الرؤية (الوسيلة), والذي يسبقها ببضع ساعات ، فإننا ملزومون بحكم الإمكانية المستجدة ,لأنها أصبحت كما قلنا ضمن ما في وسعنا ... وبما أن دخول اليوم الجديد مرتبط بحلول فجره شرعا ,فإننا ملزمون بدخول الشهر التالي ، فإذا ثبت مولد الهلال قبل الفجر ,تسري علينا حالة اليوم الجديد من حيث الصوم أو الإفطار ، مثلا.. وهنا قد تختلف حالة المشرق الإسلامي عن مغربه ، في لحظة مولده ..فالمناطق التي ولد قبل فجرها ، تدخل حالة الشهر الجديد,والتي ولد بعد فجرها ، تنطبق عليها حالة الشهر الجاري ... ومن هنا نقبل بدخول الشهر خلال يومين لا أكثر.. قلت المناطق ، ولم اقل الدول ,باعتبار أن امتداد بعض الدول الجغرافي يسمح لتوقيت مولد الهلال بالتباين داخلها بين موعده قبل فجرها ، في بعض مناطقها أو بعده في مناطقها الأخرى ،أحيانا . وبما أن البشر هم الذين وضعوا حدود هذه الدول ، فلن تكون حجة لهم لتحديد مواقع وفواصل تتباين فيها أيام دخول الأشهر أو تدخل ضمن التشريع الألهي في الشعائر ..أما المتمسكون بفكرة الرؤية(النظر)في ظل المتاح من العلم الآن ، لا يستطيعون إثبات أن الرؤية تعني النظر بالمعني اللغوي المجرد فقط ، وإنما تعنى العلم بالشئ سواء بالنظر أو بسماع الخبر.. ومن أدلة ذلك ، قوله تعالى((ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل)) فالرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو المعني بالخطاب ، لم ير رؤية العين بما فعل ربه بأصحاب الفيل ،وإنما سمع بخبره ,وهنا نجد أن الرؤية في الحديث النبوي الشريف ، تعني العلم بما حدث أيضا ,هذه واحدة .والثانية ,لو أخذنا بالرؤية في الحديث النبوي ،على أنها النظر بالعين ، لما ألزم الشرع الذين لم يروا الهلال بالعين ... وبما أنهم ملزمون بعلمهم بخبر رؤيته ، باعتبار ثبوت مولده بالإمكانيات المتاحة آنذاك ... إذن العبرة بعلم مولده ( والذي يحدث كما قلنا قبل رؤيته المجردة بساعات) وقد تحققت بالإمكانيات المتاحة الآن .. ومن خلال ما تقدم ،هل يمكن أن تتولى أمانة المؤتمر الإسلامي تشكيل مجلس يضم علماء دين مجددين من مختلف المذاهب ، ومن علماء فلك ,يقوم بتحديد مواقيت مولد الهلال طيلة العام ،ويحدد بداية الأشهر حسب مناطق العالم الإسلامي ؟ ونخرج من هذا التشرذم ، وعلى أساس هذا الطرح,قد تدخل مناطق في المغرب الإسلامي في الشهر القمري الجديد قبل المشرق ... ومن الطبيعي إلا يتجاوز الفارق يومين في كل الأحوال ...والله اعلم .. أرجو من ذوي الاختصاص في الدين والفلك ، متابعة هذا الموضوع ومناقشته للوصول إلى الضابط الأمثل لحركة الشهور القمرية ، ولتعم الفائدة لنا جميعا ,ونمارس شعائرنا على أفضل وأكمل وجه ,ونخرجها من حبائل السياسة ودهاليزها