نعم مستقبل الثقافة في مصر وليس مستقبل السياسة لأن الثقافة بكل أنواعها هي التي تشكل وعي المجتمع وتحدد درجة تقبله للآخر ولنفسه والثقافة المصرية في رأيي هي المشكلة والحل فقد تكونت علي مدار حقب زمنية طويلة ثقافة بها متناقضات كثيرة تجمع بين الانفتاح والانغلاق بين التسامح والتشدد وغير ذلك من الأضداد لكن في غالب الأحيان يكون التوازن هو سيد الموقف أو تعلو الصفة الإيجابية علي السلبية وسار الحال علي ذلك حتي جاء محمد علي من ألبانيا فحكم مصر ونقلها نقلة حضارية من التخلف إلي التقدم ومن اسباب النقلة الحضارية هو الاحتكاك الحضاري مع أوروبا بكل جنسياتها عن طريق استخدام واستقدام الخبراء أو ارسال البعثات إلي أوروبا واشهرها بعثة الأنجال والتي كان عضو فيها رفاعة الطهطاوي ذلك الأزهري الذي صدم بحضارة الغرب لكن الصدمة الجضارية جعلته يعرف دوره الثقافي المطلوب ويستعيد توازنه المختل ويرجع إلي مصر بثقافة غربية متقدمة يتوازن معها ثقافة عربية وإسلامية رائعة بدأ يقرأها بطريقة أخرها وينفض عنها غبار السنين التي أدخل علي الإسلام تفاصيل ليست منه في شئ فكان رفاعة الطهطاوي الأزهري الناطق بالفرنسية والعارف بعلوم الغرب ومع ذلك متمسك بقيم الإسلام العظيم وأخلاقه الكريمة لكن أزهريا آخر جعلت منه الصدمة الحضارية مثقفا مشبعا بكل ما لدي الغرب من ثقافة حلوها ومرها نفيسها وخسيسها ولم يقدر أن يحدث التوازن بين الثقافتين كما فعل رفاعة الطهطاوي فألف الأزهري الثاني هو طه حسين الذي ألف كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) بعد معاهدة 1936 والكتاب يمكن قراءته بقراءتين مختلفتين قراءة علمانية متحيزة للغرب بكل مافيه من تقدم علمي وتخلف أخلاقي وقراءة إسلامية متحيزة للأخلاق الإسلامية الكريمة والتي ابتعد عن معظمها الناس بفعل عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية واختلاط صحيح الإسلام بغبار العادات الجاهلية والقبلية التي حرفت وشوهت في تعاليم الإسلام الحنيف هاتان القراءاتان لكتاب (مستقبل الثقافة في مصر) الذي نشر عام 1938 مازالتا قائمتين كما هما بدون تغيير وخصوصا بعد وصول الإسلاميين للحكم بدون ظهير ثقافي رسمي والذي يسيطر عليه العلمانيون واليساريون منذ عقود طويلة لم نستطع خلالها خلق طريق ثالث للثقافة المصرية يجمع بين أخلاق الإسلام الكريمة وعلوم الغرب العظيمة وأري أن هذا هو مستقبل الثقافة المصرية ولن يستمر فوز تيار ثقافي علي الآخر بل ربما يفرز الصراع الحاصل تشوهات وجروح لا يمكن علاجها كان ماسبق مقدمة لإيراد قراءتين لكتاب مستقبل الثقافة في مصر القراءة الأولي من كتاب (ذكريات لا مذكرات )للأستاذ عمر التلمساني (1904-1984)المرشد العالم الثالث للإخوان المسلمين وفيها يقول وفى يوم من الأيام طلع علينا " طه حسين " بكتابه " مستقبل الثقافة فى مصر " وتلقاه المغرضون وخصومالاسلام بالتهليل والتكبير والدعاية الواسعة العريضة حتى تأثر كثيرمن الشباب بتلك الدعاية المسمومة وظنوها صادقة . وأحس الإمام الشهيد بالكارثة تعم فطلب من إدارة الجامعة أن تسمح له بإلقاء محاضرة ينقد فيها ذلك الكتاب . وترددت إدارة الجامعة ولكن إلحاح الطلبة الداعين أرغم إدارة الجامعه على قبول الطلب فقدم طلبا مكتوبا موقعا عليه باسمه المعروف للجميع " حسن البنا " . ولكن للأسف كانت إدارة ا لجامعة تافهة فى تصرفاتها إذ رفضت الطلب بهذا التوقيع واشترطت أن يكون باسم " حسن أحمد عبد الرحمن " . والرجل فوق هذه ا لصغائر وأكبر منها فلم يتردد وأجاب إدارة الجامعة لما أرادت لأنه لا يريد أن تقف الشكليات عقبة أمام الأهداف السامية الكبيرة . وازدحم المدرج حتى ضاق بمن فيه ووقف حسن البنا المدرس الابتدائى يشرح كتاب " مستقبل الثقافة فى مصر " وخطورته على العقيدة حيث يرى طه حسين أن نأخذ الثقافة بخيرها وشرها حلوها ومرها إن كنا نريد أن نصل الى القرب من مستوى الغرب المادى والعلمى . وظل الساعات العديدة ينتقد ويفصل ويبين مكامن الخطر فى ذلك الكتاب حتى ذهب كل أثر له فى نفوس الشباب وأهمل الكتاب وأعرض الناس عن قراءته فبارت سوقه فى مجالات التأليف والمكتبات وهكذا أنتصر مدرس إبتدائى على دكتور عالمى يسمونه عميد الأدب فى الشرق العربى وما هو بالعميد ولا بالمجيد وعرف الناس حقيقة طه حسين الذى سمى أولاده بأسماء فرنسية لأن الاسماء العربية الاسلامية لا تتفق ومزاجه الرقيق !. والقراءة الثانية هي القراءة الرسمية (العلمانية) وجاء فيها : "مستقبل الثقافه في مصر " كتاب لعميد الادب العربي طه حسين نشر في القاهره سنة 1938، وبرغم من أنه يعتبر من أصغر كتبه لكن في نفس الوقت يعتبر من أهم الكتب لدرجة أنه لا زال يناقش وتقام ندوات عنه حتى الآن. طه حسين كتب " مستقبل الثقافه في مصر " بعد معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا، وكتب فيه افكاره بخصوص ما يجب بعدما نالت مصر الاستقلال وقد جاء في بعض نصوص الكتاب مايلي ("مصر ثقافيا وحضاريا, هى دولة غربية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالة. فالعالم ينقسم إلى حضارتين لا ثالث لهما. الأولى, تأخذ جذورها من الحضارة المصرية القديمة وفلسفة اليونان والقانون الرومانى. والثانية, تأتى من الهند." "و اذن فالعقل المصري القديم ليس عقلا شرقيا اذا فهم من الشرق الصين واليابان والهند وما يتصل بها من الاقطار " "مصر تنتمى إلى الحضارة الأولى. فلماذا إذن ينظر المصريون إلى أنفسهم على أنهم من أهل الشرق؟ يأتى هذا بسبب اللغة والدين. والمشاركة في هموم الاحتلال والتخلف. وما دمنا متخلفين مثل دول الشرق, ونتحدث بلغتهم, فنحن مع حضارة الشرق. ولكن تاريخ مصر يقول عكس ذلك."' "مصر كانت عبر التاريخ على إتصال بدول البحر المتوسط وبحر إيجة. وكانت هى نفسها مهد حضارة غمرت الآفاق آلاف من السنين. هذه الحضارة هى جذور وأصل الحضارة الغربية الحديثة. وخلال التاريخ, كان تأثير حضارة مصر على اليونان, وتأثير حضارة اليونان على مصر واضح ومستمر. وحتى عندما كانت مصر جزءا من الدولة الإسلاميه" وفي الختام مازلت مصرا علي رأيي في خلق تيار ثقافي ثالث يحمل أخلاق الإسلام وتعاليمه ومعها انفتاح علي علوم الغربية الانسانية والتكنولوجية حفظ الله مصر من كل مكر ومكروه وسوء أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]