تعبت من الكلام فى الواقع (الزفت) وأجواء المؤامرات التى يتفنن أهلها فى حوكها لخنق مصر والإجهاز عليها، وكلهم فى الوقت نفسى وطني، ومناضل، وثوري، ومجاهد، وتنويري، ويزعم أن الإخلاص يقطر من خلايا سيادته، وأنه الأوفى بمصر والأبرّ، وكلهم حامل للعار، والوسخ النفسي؛ وأشك أنه تهمُّه مصر، أو يبتغى الحق، أو يعرف ما الديمقراطية، ولكنه يعرف أجندته، ولمن يعمل، ومن يوالي.. حتى الإسلاميون المراهقون سياسيًّا بدأوا يصطفون فى طوابير العار، وتعلموا السب، والانقسام، والإقصاء، وصاروا كاليهود والمنافقين (تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى؛ ذلك بأنهم قوم لا يفقهون) نعم يا ربى لا يفقهون.. إنهم يخرقون السفينة، ويجتهدون فى إغراق مصر، والقضاء على أمل تنظيفها من وحل العسكر، وإحباط مكائد الفلول والذيول، وصدموا كثيرين بسبب لافتاتهم، وانقساماتهم، وعصبياتهم، وغرورهم، والله يعينك يا دكتور مرسى على ما ابتليت به من ظلم ذوى القربى، ولدغات الإخوة وأبناء العم، واحتقار الأقارب الأدنين، وعصبيتهم للأسماء والشيوخ والمنهج.. تعبت من الكلام فى الواقع (الزفت) وعادتى حين أحس بثقل الهمِّ أن أهرب إلى موضوع أخفف به وجعى ووجع من حولي، فاسمح لى قارئى أن يكون حديثى اليوم عن اللحية: أنواعها، وموديلاتها، وتجلياتها، وأحكامها، فالموضوع طريف وذو شجون فعلاً.. اللحية هى الشعر الذى ينبت على الخدين واللحْى (الفك السفلي) لهذا سميت لحية، وربما لأنها أول ما يلوح من الملتحي! وهى من خصائص الرجال، فقد خلق الله الأنثى طلساء، لا ينبت لها شعر فى اللحْى السفلي، بسبب هرمونات الأنوثة، التى تثبط نمو الشعر فى جسمها، ولا تمنعه – سبحان الله - فى رأسها؛ ولذا فلو تأنث الرجل، وزاد فى نفسه بنفسه هرمون الأنوثة، لوجدت كائنًا بلا شعر ولا احترام ولا استقامة.. يستحيل! غير أنى لحظت فى الجنس الهندى كثافة عند النساء فى شعر العارضين والذراعين، وبين الحاجبين حتى إنهما ليقترنان ويتصلان.. وكانوا يعدون ذلك من آى الجمال والفتنة، ولا أدرى كيف؛ فلعل هناك مانعًا دينيًّا أن تزيله الشابة حتى تتزوج! ولو أن امرأة رأت نفسها بلحية فى المنام فقد أولها بعض من يزعم المعرفة – كما وجدت على النت - بأنها إن كانت حاملاً فسترزق بولد ذكر، وإن لم تكن حاملاً، فإنها ستكون عقيمًا ولن تلد أبدًا، وإن كان لها ولد فإنه يسود قومه، وإن كانت أرملة فإنها تتزوج، وإن كانت متزوجة فإنها تصير أرملة، وتتورط فى هم وغم وهتك وفضيحة، وقيل إن جذب اللحية يدل على حصول ميراث! وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين! ولقد جعل ربى تبارك وتعالى اللحية من دلائل البلوغ الفطرية، فالذكر يعتبر بالغًا إذا أنبت (فوق أو تحت) وإذا خشن صوته، وعلامات أخرى.. وكان الرجال يتباهون باللحية، وبها يتجملون، وكان يسبحون (الذى زين الرجال باللحى والنساء بالشعر)، حتى حان علينا حين من الدهر صارت اللحية (كخة) بعد أن انفتحنا على الغرب، وقلدناه حذو النعل بالنعل، ولو أعفوها لأعفيناها، ولاعتبرناها أعلى الضرورات! واللحية علامة على التدين فى الأديان السماوية كلها لأنها من سنن الفطرة، فلم يكن هناك نبى غير ملتحٍ – ويستحيل - وصور الأنبياء غير الملتحين والعراة الذين جسّدهم رسامو الغرب ونحاتوه من أمثال أنجلو أو دافنشى وسائر رسامى الكنيسة، إنما هى خيالات أناس (فرنَجوا) الأنبياء، وفصّلوهم على مقاسهم، ليكونوا شقرًا، وزرق العيون، وناعمى الأجساد، مسترسلى الشعر.. وهيهات هيهات أن يكون سيدى عيسى عليه السلام، ابن بيت لحم، أوروبيًّا أشقر، كأنه فنلندى من أبوين فنلنديين! ولكونها من علامات التدين فلن تجد حاخامًا يهوديًّا أو متدينًا غير ملتحٍ، ودونك لحية يوسف عوفاديا الحاخام الصهيونى المتطرف، الذى يفتى بقتل الأطفال والنساء، واستباحة كل ما هو فلسطينى وعربي.. ولن تجد قسًّا كبيرًا (على الأقل فى الأرثوذكسية) غير ملتح، كما كان حال شنودة، وكما هو تواضروس وكبار قساوسته ومساعديه، وحتى زكريا بطرس، ذلك النبّاح البذيء. ولن تجد شيخًا كبيرًا غير ملتح – أيام عز الأزهر والإسلام - إلا فى زماننا البديع الذى لا تكاد تجد فيه أزهريًّا يلتحي.. اللهم إلا إذا (مسّكوه) منصبًا أعلى، فإنه بعزة المنصب وقوته يتحول إلى ملتحٍ بين عشية وضحاها! هكذا فعل جمعة، والطيب، ومن قبلهما، وسيفعل المفتى الجديد ومن بعده فعلهما.. فهى لحية منصب – إذن - لا لحية سُنة، وربما كان من مقتضيات المنصب أيضًا (العمامة والجبة) ولم يكونا أيضًا من لابسيها، إلا بعد المنصب.. ويا قاتل الله أزياء المناصب، ولحى المناصب، وفتاوى المناصب، وضرورات المناصب، وشيوخ المناصب! ولا أكتمك قارئى العزيز أن هناك سؤالاً يؤرقني: ماذا سيفعل أحدهم إذا (اضطر) لترك المنصب؟ هل سيعود – كريمة – لعادته القديمة؟ وبمعنى أوضح: هل سيترك الدكتور على جمعة لحيته حياءً؟ أم سيجتثها بعد تركه المنصبين؟ باعتبارها من العادات، أو ربما لأنها دليل على التطرف، وزناخة التفكير؟! وتتفاوت لحى المتدينين بحسب الظهر الذى يحميهم.. فلا يجرؤ أحد أن يتكلم عن لحية يوسف عوفاديا الحاخام الصهيونى الذى يوجه جيش الإرهاب الصهيونى ونعاج مستوطنيه بفتاواه لتدمير عرب فلسطين تدميرًا.. ولا يجول ببال أحد أن يمس طرف لحية البابا، وهى مفرطة الطول شعثة غير مهذبة بأى حال، لكنها لحية صاحب القداسة، فمن يجرؤ أن يقول كما يقول ال.... عن لحى المسلمين إنها كالمكنسة، وإنها منفرة، ومزرية وبدائية ومتخلفة؟ وكما أنك لن تجد قسًّا ذا منصب كبير بغير لحية، يمكنك دون جهد أن تجد عمداء كليات الشريعة وأصول الدين والدعوة والدراسات الإسلامية، وكبار رجال الأزهر، والأساتذة الدكاترة، طلسًا كواسج، كأنهم أصيبوا كلهم باضطراب هرموني، فإذا كلمت أحدهم عن حكمها جبهوك وسبوك وسفهوك وجعلوها عادة أو جهالة أو تطرفًا، واستظرفوا فاستحضروا من أبيات الشعر الركيك ما يسخر من سنة اللحية ومن أصحابها، ولم يعوزهم الحال أن يشبهوا صاحبها بالتيس أو غيره من الحيوان الأعجم! فلا سنن الفطرة عندهم معتبرة، ولا أوامر النبى صلى الله عليه وسلم لها قيمة، ولا فعله صلى الله عليه وسلم وفعل الأمة عبر تاريخها التليد، بل المعتبر الهوى، وفعلها وموازينها فى واقعها الكنود.. ألا تبًّا لِلِحى المناصب وأهلها.. وللموضوع بقايا.. واللحى أنواع وموديلات، فاحتملني.. [email protected]