أعادت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح نشر فتواها الخاصة بإطلاق ضباط الشرطة لحاهم، والتى تبنت فيها الهيئة الفتوى الصادرة من الشيخ جاد الحق على جاد الحق، شيخ الأزهر الراحل. وقال محمد يسرى إبراهيم، أمين عام الهيئة، إن الهيئة قد وردت لها أسئلة حول حكم إطلاق ضباط الجيش والشرطة لحاهم، وفى هذا الصدد رأت الهيئة ببتنى فتوى الأمام الأكبر الشيخ جاد الحق. وصدرت هذه الفتوى إبان شغله منصب مفتى مصر، ردًّا على طلب من قسم القضاء العسكرى، وهذه الفتوى موجودة فى الفتاوى الإسلامية الرسمية الصادرة باسم الأزهر برقم (1282). فقد سُئل شيخ الأزهر جاد الحق وطلب منه بيان الرأى عن إطلاق الأفراد المجندين اللحى، حيث إن قسم القضاء العسكرى قد طلب الإفتاء بخصوص ذلك الموضوع لوجود حالات لديها؟ وقد أجاب المفتى الشيخ جاد الحق على جاد الحق قائلاً: إن البخارى روى فى صحيحه عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خالفوا المشركين، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب). وفى صحيح مسلم عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى). وفى صحيح مسلم أيضا عن عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء، قال بعض الرواة: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة). قال الإمام النووى فى شرحه لحديث: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى): إنه وردت روايات خمس فى ترك اللحية، وكلها على اختلاف فى ألفاظها تدل على تركها على حالها، وقد ذهب كثير من العلماء إلى منع الحلق والاستئصال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعفائها من الحلق، ولا خلاف بين فقهاء المسلمين فى أن إطلاق اللحى من سنن الإسلام فيما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فى الحديث السابق الذى روته عائشة: (عشر من الفطرة). ومما يشير إلى أن ترك اللحية وإطلاقها أمر تقره أحكام الإسلام وسننه، ما أشار إليه فقه الإمام الشافعى من أنه يجوز التعزير بحلق الرأس لا اللحية، وظاهر هذا حرمة حلقها على رأى أكثر المتأخرين. ونقل ابن قدامه الحنبلى فى المغنى: أن الدية تجب فى شعر اللحية عند أحمد وأبى حنيفة والثورى، وقال الشافعى ومالك: فيه حكومة عدل، وهذا يشير أيضا إلى أن الفقهاء قد اعتبروا التعدى بإتلاف شعر اللحية حتى لا ينبت جناية من الجنايات التى تستوجب المساءلة، إما بالدية الكاملة كما قال الأئمة أبو حنيفة وأحمد والثورى، أو حكومة يقدرها الخبراء والعدول كما قال الإمامان مالك والشافعى، ولا شك أن هذا الاعتبار من هؤلاء الأئمة يؤكد أن اللحى وإطلاقها أمر مرغوب فيه فى الإسلام، وأنه من سننه التى ينبغى المحافظة عليها. ولما كان إطلاق الأفراد المجندين للحى اتباعًا لسنة الإسلام، فلا يؤاخذون على ذلك، ولا ينبغى إجبارهم على إزالتها أو عقابهم بسبب إطلاقها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق). وهم متبعون لسنة عملية جرى بها الإسلام، ولما كانوا فى إطلاقهم اللحى مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجب أن يؤثموا أو يعاقبوا، بل إن من الصالح العام ترغيب الأفراد المجندين وغيرهم فى الالتزام بأحكام الدين وفرائضه وسننه، لما فى ذلك من زيادة همتهم، ودفعهم لتحمل المشاق والالتزام عن طيب نفس، حيث يعملون بإيمان وإخلاص. وتبعًا لهذا لا يعتبر امتناع الأفراد الذين أطلقوا اللحى عن إزالتها رافضين عمدًا لأوامر عسكرية، لأنه باشتراط وجود هذا الأمر فإنها فيما يبدو لا تتصل من قريب أو بعيد بمهمة الأفراد أو تقل من جهدهم، وإنما قد تكسبهم سمات وخشونة الرجال، وهذا ما تتطلبه المهام المنوطة بهم. ولا يقال: أن مخالفة المشركين تقتضى الآن حلق اللحى؛ لأن كثيرين من غير المسلمين فى الجيوش وفى خارجها يطلقون اللحى؛ لأنه شتان بين من يطلقها عبادة فى الدفاع عن سنة الإسلام، وبين من يطلقها لمجرد التجمل وإبقاء سمات الرجولة على نفسه، فالأول: منقاد لعبادة يثاب عليها إن شاء الله تعالى، والآخر: يرضى بها كالثوب الذى يرتديه ثم يزدريه بعد أن تنتهى مهمته. ولقد عاب الله الناهين عن طاعته وتوعدهم: {أَرَأَيْتَ الَّذِى يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ أن كَانَ عَلَى الْهُدَى * أو أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ أن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 9- 14] والله سبحانه وتعالى أعلم.