لا أستطيع أن أخفى تخوفى على مصر من الانزلاق نحو تدخل الجيش فى الحكم بانقلاب عسكري، وليس مبعث تخوفى من دعوة الخونة الذين خانوا مبادئهم وخانوا مستقبل مصر ممن يدعون أنهم من القوى (المدنية) للجيش جهاراً نهارًا على رؤوس الأشهاد بالقيام بانقلاب عسكرى للإطاحة بالرئيس المنتخب وحكومته، فهؤلاء لو اقتصر الأمر عليهم لهانت، لكن المقلق هو فى الإرهاصات التى تأتى من داخل المؤسسة العسكرية. وكان المشهور عن المؤسسة العسكرية المصرية منذ ما أطلق عليه ثورة التصحيح فى مايو 1971 وحتى سقوط مبارك أنها مؤسسة ملتزمة بالابتعاد عن التدخل فى السياسة، على الأقل فى العلن، ولم يؤخذ عليها طوال تلك السنوات الأربعين أنها تدخلت فى الشأن السياسى فى العلن ولا مرة واحدة، ثم أجبرتها الظروف على الدخول فى المعترك السياسى بعد سقوط مبارك بسبب المصيبة التى ارتكبها لحظة رحيله بتفويض المجلس العسكرى لإدارة شؤون الحكم، وكان المنتظر بعد رحيل قادة المجلس العسكرى على يد الرئيس المنتخب أن يعود الجيش ليقتصر على دوره العسكرى فقط كما كان، لكن يبدو أن فيروس السياسة قد تسلل إلى القيادة العسكرية، وهو أخطر فيروس داخلى يمكن أن يصيبها. وهناك أعراض واضحة على تغلغل هذا الفيروس، وإرهاصات واضحة عن تأثيراته، فبأى حق وبأى مسوغ كانت دعوة القائد العام للقوات المسلحة للقوى السياسية بالحوار تحت رعاية الجيش؟! وبأى حق يقابل قائد الجيش الأستاذ هيكل ويتناقش معه لأربع ساعات فى الشأن (السياسي)؟! منذ متى وقادة الجيش يلتقون بالساسة ويناقشون الشأن السياسى ويذاع هذا؟! وبأى مسوغ يخاطب قائد الجيش القوى السياسية المختلفة يدعوها لنبذ الفرقة؟! كأنه بهذا يمهد لشيء ما، ومنذ متى يقابل وزير الدفاع المصرى وزير الخارجية الأمريكى؟! ولو قيل إنه قال له إن الجيش لا يتدخل فى السياسة فكان الأولى به أن يثبت ذلك عمليًا بألا يقابله أصلًا. ثم إن هذا التنمر الذى أبدته المؤسسة العسكرية تجاه إشاعة عزل القائد العام مثير بدوره للتساؤل، فلقد قام الرئيس المصرى بعزل القائد العام للقوات المسلحة مرة فى عهد الرئيس عبد الناصر، وأربع مرات فى عهد السادات، ومرتين فى عهد مبارك، ومرة فى عهد د.مرسي، فتلك ثمان مرات كاملة فى العهد الجمهوري، فما الذى استجد لتتنمر المؤسسة العسكرى على أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة إذا أراد أن يمارس صلاحياته الدستورية؟! أرجو أن أكون مخطئًا، لكن ما أراه وأرصده من تصرفات القيادة العسكرية الحالية يثير الدهشة والاستنكار فى أقل أحواله، ويثير خشية حقيقية – إذا وضعناه فى حجمه الطبيعي- من انزلاق القيادة العسكرية نحو مصيدة التدخل العسكرى فى السياسة، وهو ما سيفتح على مصر أبواب ويلات لا يمكن التنبؤ بها، فأرجو من القيادة العسكرية المصرية أن تعود لمبادئها التى تربت عليها بعدم التعاطى مع الشأن السياسى بأى حال من الأحوال أو وجه من الأوجه، وإلا فإنها ستخوض فى دماء المصريين التى تورعت عن الخوض فيها أيام ثورة يناير، فإن الشعب المصرى لن يقبل بانقلاب عسكري، ولا يمكن أن يسمح لعقارب الساعة أن تعود للوراء، وأرجو ألا تنساق وراء الإغواء المباشر ممن باعوا ضمائرهم من القوى السياسية – والإغواء غير المباشر ممن يبشرون به تحت دعوى التوقعات مثل البرادعى وغيره - ممن يدفعون الجيش لاقتراف تلك الخطيئة، فهؤلاء سيسقطونك فى الخطيئة ثم يتبرأون منك ويتركوك فى أوحالها ليجمعوا الغنائم، فهؤلاء مثلهم ومثلك "كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إنى بريء منك إنى أخاف الله رب العالمين". [email protected]