كيف تضبط هاتفك على التوقت الشتوي دون أخطاء ؟    افتتاح ميدان النيل بالمنيا بعد تطويره وتركيب شاشة عملاقة لمتابعة افتتاح المتحف المصري الكبير    عودة «الدبلوماسية الثقيلة».. اتفاق أولي بين واشنطن وبكين يُمهد للقاء تاريخي في أبريل    إدارة ترامب تخفض عدد اللاجئين الذين يُسمح لهم بالدخول سنويا للولايات المتحدة    امتدت ل 112 دقيقة.. تعادل مثير يحسم مواجهة أهلي جدة والرياض بالدوري السعودي    نرصد لحظة مداهمة مخازن بداخلها 38 طن لحوم وحواوشي فاسد بشبرا| فيديو    السكة الحديد تُعلن العمل بالتوقيت الشتوي من منتصف ليل الخميس 30 أكتوبر    مفتي الجمهورية: الإلحاد والتطرف اللاديني خطران عظيمان يهددان الثوابت والقيم    مصر ترفع الستار عن أكبر صرح أثرى فى العالم |احتفالية تاريخية بمشاركة 50 رئيس دولة وملكًا    انطلاقة حماسية للموسم السادس من «The Voice» على «MBC مصر»    على طريقة نفرتيتي.. طلاب القليوبية يحتفلون ب المتحف المصري الكبير    وزير الخزانة الأمريكي: الصين ستعيد مشترياتها من فول الصويا الأمريكي إلى مستوياتها المعتادة    هنا الزاهد عن افتتاح المتحف الكبير: «مصرية وفخورة»    بتوجيهات شيخ الأزهر..انطلاقة جديدة وتوسُّع لمدرسة «الإمام الطيب» للقرآن الكريم للطلاب الوافدين    من الطين بنبى أبرج للسماء.. صانع أبراج الحمام: مهنة متوارثة وهذه اسرارها    أشرف الشرقاوي: نتنياهو قضى على أي فرصة لظهور قيادات بديلة في إسرائيل    اليونيفيل تعرب عن قلقها إزاء التوغل الإسرائيلي المسلح في بلدة بليدا جنوبي لبنان    «الرقابة الصحية» و«جامعة المنيا» تطلقان برنامجًا تدريبيًا مكثفًا لتأهيل الكوادر الصحية بالمحافظة    روبيو: مستعدون لتقديم مساعدات للشعب الكوبي بعد الدمار الذي أحدثه إعصار ميليسا    أمين الفتوى يوضح حكم وثواب قيام الليل    من قلب التاريخ يبدأ المستقبل.. فودافون مصر الشريك التكنولوجي للمتحف المصري الكبير    تجهيزات شاملة لاستقبال الوفود الدولية بافتتاح المتحف المصري الكبير    جيش الاحتلال يتسلم جثمانى أسيرين عبر الصليب الأحمر فى غزة    موظف بالمعاش يتهم خادمته بسرقة مشغولات ذهبية من فيلته ب6 أكتوبر    رئيس جهاز حماية المنافسة يجتمع مع رؤساء أجهزة المنافسة الأفريقية    الأوقاف تُطلق (1010) قوافل دعوية بمراكز الشباب على مستوى الجمهورية    شاهد|«المجلس الصحي المصري»: إطلاق الدلائل الإرشادية خطوة تاريخية لحماية المريض والطبيب    تناولها بانتظام، أطعمة تغنيك عن المكملات الغذائية الكيميائية    ياسر عبد العزيز يكتب: مصر الكروية كاملة الأوصاف ولكن!    إصابة 4 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة ملاكى بالطريق الزراعى فى البحيرة    تداول صورة ل توروب مدرب الأهلي خلال زيارة سفارة الدنمارك بالقاهرة    منتخب التايكوندو يحقق المركز الخامس في بطولة العالم بالصين    جماهير الزمالك تنفجر غضبًا بسبب مجلة الأهلي.. ما القصة؟    رئيس جامعة سوهاج يلتقي طلابه ذوي الإعاقة ويشاركهم وجبة الغذاء    لا فرق بين «الطلاق المبكر» والاستقالات السريعة داخل الأحزاب    خالد الجندي: افتتاح المتحف الكبير إنجاز عظيم للرئيس السيسي    ارتفاع أسعار الفول وتباين العدس في الأسواق    بعد بيان الأهلي.. موقف إمام عاشور من السوبر المصري (خاص)    وزير الرياضة يصدر قراراً بتشكيل اللجنة المؤقتة لإدارة شئون الإسماعيلي    300 شاحنة مساعدات تغادر معبر رفح البري لدعم الشعب الفلسطيني بقطاع غزة    محافظ الغربية يرفع يوجه بسرعة تجهيز الشاشات في الميادين استعدادا لحفل افتتاح المتحف الكبير    كواليس هزيمة برشلونة أمام ريال مدريد.. الصحافة الكتالونية تتحدث    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك» وبالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة.. الأوقاف تطلق (1010) قافلة دعوية بمراكز الشباب على مستوى الجمهورية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة الأقصر    مدمن مخدرات.. القبض علي مسجل اعتدى بالضرب علي شخص وزوجته بالعمرانية    تأجيل محاكمة البلوجر أم مكة بتهمة بث فيديوهات خادشة    تفاصيل قرار جديد للرئيس عبدالفتاح السيسي    تأجيل النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية 48 ساعة    عاجل الأحد المقبل بدء تسليم أراضي "بيت الوطن" للمصريين بالخارج بالقاهرة الجديدة    المشدد من 3 إلى 15 سنة ل4 متهمين بحيازة أسلحة نارية وذخائر بشبرا الخيمة    وزير الصحة: أصدرنا حتى الآن أكثر من 115 دليلًا إرشاديًا فى مختلف التخصصات الطبية    «نفسي أشتمنا».. يسري نصرالله ينعى المصورين ماجد هلال وكيرلس صلاح    «يوم الوفاء» محافظ أسيوط يكرم أسر الشهداء وقدامى المحاربين    ضبط 100533 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    الرئاسة تكشف تفاصيل لقاء السيسي ب رئيس مجلس الوزراء الكويتي    أسعار النفط تسجل 64.52 دولار لخام برنت و60.11 دولار للخام الأمريكى    والد أطفال ضحايا جريمة فيصل: سأحاسب كل من أساء لسمعتنا    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في الشرقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل عامر يكتب : دور الجيوش في الحياة السياسية
نشر في صدى البلد يوم 13 - 09 - 2012

إن الجيش هو من قام بحسم الموقف لصالح قوى التغيير في كل من تونس ومصر، لدرجة يمكن حسبان الجيش جزءاً من قوى الثورتين التونسية والمصرية، ولكن الجيش في هذين البلدين جزء من النظام القديم في الوقت نفسه. من الممكن تفسير هذا الموقف بأن الجيش قد تخلى عن النظام القديم في كلا البلدين في لحظة تاريخية، ساهمت في إنقاذ البلدين من مجزرة وكارثة وطنية، وقد جاء هذا الموقف منسجماً مع طبيعة العلاقة بين الجيش والنظام السياسي الذي كان قائماً، وطبيعة الجيش نفسه، وطبيعة المجتمع، في كل من تونس ومصر. إذ تعد التركيبة الاجتماعية في هذين البلدين اللذين وقفت فيهما المؤسسة العسكرية إلى جانب المحتجين، الأكثر تجانساً في العالم العربي، فضلاً عن ان الجيشين التونسي والمصري، محترفين نسبياً، ولم يكونا أداة شخصية في يد الحاكم. لذا كان من الصعب زج الجيش في كل من تونس ومصر في القتال ضد الشعب، فالتكوين النفسي للجيش في هذين البلدين مرتبط بكونه انعكاساً للمجتمع، فهو جيش وطني لا يقوى على مواجهة شعبه، بحكم ارتباط قادته بمهمته التاريخية وهي حماية الوطن والشعب. وقد أظهرت وقائع الأحداث الأخيرة في تونس ومصر، بأن المؤسسات العسكرية في الدول العربية لم تعد جميعها مجرد أدوات في أيدي الأنظمة الحاكمة، تسخر لخدمتها وقمع خصومها ومناوئيها، كما كان يشاع سابقاً، بل إن الجيوش في المنطقة العربية، في هذه المرحلة تحديداً، أصبحت مهيأة لأداء دور مساعد في عملية التحول الديمقراطي، والتسريع بعجلة دورانها. في بدايات الحراك الثوري العربي، وبعد أن أوضحت التجربة التونسية بأن هناك إمكانية للاعتماد على موقف وطني للقوات المسلحة بعيدا عن طموحات السيطرة السياسية، تفاءل المراقبون بالدور المستجد للجيوش العربية في حقبة ما بعد الاستبداد. جيوش تنوعت مصادر شرعيتها، فمنها من استمدها من خلال قيادته لعملية التحرر من الاستعمار الأجنبي. وآخرون أسندوا شرعيتهم إلى دورهم في الثورة ''الانقلاب الذي أطاح بأنظمة ''رجعية'' خلفتها القوى الاستعمارية. أما النوع الثالث، فاعتبر بأن دوره في حماية البلاد من الأجنبي والذود عن حماها مقابل الأطماع الخارجية هو مصدر شرعية لا لُبس فيه ويؤّهل لكل ما سيليه من طموحات.
هذه ''الشرعية'' متعددة الأوجه، لم يتم الاعتماد عليها في تعزيز دور القوات المسلحة وإعطائها مزيد من المزايا واعتبارها الحصن المنيع للدولة السياسية القائمة فحسب، بل هي استخدمت لكي تبرر لهذه القوى بأن تسيطر على مفاصل العمل السياسي وتهيمن على مصائر الجموع التي منحتها الثقة. وبالطبع، فليس من المقبول بنظر أبطال الأمة هؤلاء أن يعتبر البعض من ''الآثمين'' بأن لديهم أطماع سياسية أو أنهم قد قاموا بانقلابات عسكرية أو أن لهم مصالح اقتصادية مرتبطة بمدى سيطرتهم على الحكم.
في أغلب الحالات، ومنذ نشوء الدولة الوطنية بعد عملية الاستقلال والتحرر من الاستعمار الأجنبي، فقد اعتبر العسكر بأن لديهم الطاقة الكامنة والقدرة الكاملة، ليس فقط للذود عن الحدود وتأمين الاستقلال من الجهة العسكرية، بل للعمل على تنمية المجتمعات التي هم أوصياء عليها وتخطيط مستقبلها السياسي ووضع الأطر الاقتصادية اللازمة لتنميتها وإخراجها من الأزمات التي خلّفها المستعمر الغاشم. وكذا، فقد كانت لهم وجهة نظرهم غير القابلة للنقاش فيما يتعلق بالأمور التربوية وتنشئة الأجيال ورسم السياسات الاجتماعية وحتى الحد أو رفع الحد عن النسل.
إن مجرد التشكيك اللفظي أو التحليلي في عدم الاختصاص، أو اعتبار بأنه يكفي فخراً للقوى المسلحة دورها الوطني الأكبر المرتبط بحماية البلاد من خطر العدو الخارجي وتأمين الاستقرار الإقليمي، هو جريمة لا تغتفر ويمكن لها بأن تؤدي إلى ''إضعاف الروح الوطنية ووهن عزيمة الأمة'' في مواجهاتها المتخيلة من قبل المعنيين أنفسهم. وهم الذين، ومنذ وصولهم إلى الحكم أو تلاعبهم به، تخلّوا تماما عن القيام بما يمليه عليهم قسمهم والمتعلق بحماية البلاد والعباد والانصراف عن الشؤون العامة وترسيخ الجهود للعب الدور ''المقدّس'' الذي يساهم في بناء صورتهم الوردية. وتوجهوا إلى الساحة الداخلية سياسة واقتصادا وأسسوا لمنظومة أمنوقراطية تساعدهم في مسيرتهم نحو الهيمنة وتأمين الصالح الخاص.
ولقد أثبتت التجارب ''التقنية'' الحقيقية التي واجهت بعضا من البلدان العربية التي ''تمتعت'' بسطوة العسكر على أمورها السياسية والاقتصادية، بأن الانصراف عن الدور الأساسي للقوات المسلحة إلى أمور الحياة اليومية والانهماك في الأعمال، يؤدي إلى حالات من الفشل العسكري لا تلبث الجهات المعنية باعتبارها جزءاً من المؤامرة التي تحيكها قوى مرئية وغير مرئية على منعة واستقرار البلاد التي تتمتع بطهورية وحكمة وحنكة وبُعد نظر القائمين عليها أما الجيش المصري، فأنه بمساهمته في إنجاح الثورة في مصر قد حجز لنفسه مكاناً بين القوى التي تساهم في صنع المستقبل السياسي في البلاد، وهو يقوم بهذا الفعل انطلاقاً من طبيعته كأهم مؤسسات الدولة المصرية، وأحد المكونات الرئيسية لأي نظام سياسي سابق أو لاحق، حتى يستقر النظام السياسي المصري على صيغة لا يعود فيها التمييز بين الدولة والنظام ذي مغزى. فضلاً عن أن الجيش يساهم في صياغة النظام الجديد انطلاقا من مصالح المؤسسة كما يدركها الغالبية من أعضائها، وكذلك انطلاقا من ثقافة المؤسسة، والرؤى السائدة بين صفوفها بشأن الدولة والمجتمع والعلاقة بينهما، وكذلك التعريف السائد بين قياداته للأمن القومي والمصلحة الوطنية. فالجيش ليس مؤسسة خيرية تتولى تحقيق أهداف الثورة نيابة عن القوى الثورية، فهذا تصور غير واقعي بالمرة، ولكنه مؤسسة لها تصوراتها الخاصة، وبالتالي فإنه يمكن القول أنه بينما فتحت ثورة (25 يناير) الباب لتطور ديمقراطي، فإنها فتحت الباب أيضاً لزيادة دور الجيش في السياسة. ويمكن القول إن الجيش المصري يبدو ميالا لأداء دور الضامن لعملية الانتقال السلمي والآمن والمنضبط نحو الديمقراطية، بفعالية وبأقل تكلفة اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية ممكنة، استناداً لخطة واضحة ومتكاملة، ووفقاً لجدول زمني محدد. فإن السيطرة الكاملة لقيادة مدنية منتخبة على شؤون الدفاع والجيش في ديمقراطية ناشئة تبدو أمراً غير متصور حدوثه، وبخاصة في الحالة المصرية، التي أدى فيها الجيش دوراً رئيساً في حماية البلاد من الفوضى، وفي سد فراغ السياسة والشرعية، بعد أن كادت الطبقة السياسية، حكومة ومعارضة، أن تقود البلاد إلى الفوضى. وفي الوقت نفسه، فإن إبقاء كافة شؤون الدفاع والجيش خارج نطاق سلطات حكومة منتخبة ديمقراطية، لمدة طويلة، هو أمر يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، ويمكن له أن يتسبب في تعريض التجربة الديمقراطية الوليدة لخطر جدي.
إن التفكير في لحظة تسليم السلطة في مصر لحكومة مدنية منتخبة وعودة الجيش إلى ثكناته يثير الكثير من الأسئلة، فهل الجيش المصري مستعد لترك المجال السياسي تماماً للمدنيين؟ وهل القوى السياسية المدنية مستعدة وجاهزة للقيام بمسؤوليات الحكم منفردة؟ وهل يمكن للنظام السياسي الديمقراطي المصري الذي مازال تحت الإنشاء كبح جماح التطرف والنوازع الاستبدادية عميقة الجذور؟. هنالك عاملان رئيسان يحددان طبيعة الإجابة على هذه الأسئلة، يتعلق أولهما بالمجتمع، بينما يتعلق الثاني بالمؤسسة العسكرية. العامل الأول هو الطلب الاجتماعي على دور الجيش، فحالة الانقسام السياسي وضعف الثقة بين مكونات المجتمع والفاعلين السياسيين تخلق طلباً مجتمعياً وسياسياً على وجود ضمانة تحقق التوازن بين الفرقاء الاجتماعيين والسياسيين، فإن الجيش يبدو القوة الوحيدة القادرة على توفير الضمانة المطلوبة من جانب كل هذه الفئات. والثاني هو شكوك الجيش في القوى السياسية المدنية، فالحال الراهن للقوى السياسية المدنية الصاعدة غير كاف لبث الثقة في قدرتها على التعامل مع قضايا الدفاع والأمن القومي الأكثر أهمية بالنسبة للقوات المسلحة.
من الأهداف المهمة أيضاً لقيادة الجيش المصري في هذه المرحلة الانتقالية، هو ضمان عدم قيام الحكومات المقبلة التي ستأتي عبر الانتخابات بالتعرض لمصالح وامتيازات القوات المسلحة التي اكتسبتها خلال العهود السابقة، فضلاً عن الحقوق والصلاحيات التي تصر القيادة العسكرية المصرية على الاحتفاظ بها. ومن أهم الامتيازات والصلاحيات التي يسعى الجيش لضمانها: أن يكون ملف الأمن القومي للبلد في يد قيادة القوات المسلحة وأن يبعد عن الصراعات السياسية والحزبية، وان يكون للجيش حق التدخل في الشؤون السياسة في حالة وجود خطر يهدد الوحدة الوطنية أو الطابع المدني للدولة، وعدم تدخل السياسيين في العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية وميزانية الجيش والمؤسسات الاقتصادية التابعة للجيش.
إن الثورات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي مطلع العام 2011، والتي أدت بعض الجيوش العربية دوراً محورياً في إنجاحها من عدمه، نتج عنها إمكانية تغير الأدوار التدخلية لتلك الجيوش خلال المرحلة المقبلة، وتحولها إلى جيوش حارسة للعملية السياسية، من دون التدخل في توجيه مساراتها، باستثناء الحالات التي تتطلب تدخل الجيش والتي تشكل فيها بعض الممارسات السياسية خطراً على الوحدة الوطنية، خصوصاً وأن تلك الثورات قد رفعت شعار الديمقراطية والدولة المدنية، في زمن لم يعد يتسع لغير هذه القيم والمبادئ
عندها لجأ النظام إلى الاستعانة بوحدات الجيش بشكل خبيث من باب أن الجيش مقبول عند أهل مصر أكثر من قوات الأمن المركزي، ولأن معظم شباب مصر قد خدموا في الجيش ومن باب آخر إيهام الجيش بأن ما يحدث من مظاهرات ضد النظام يستهدف مصر، فلم تنطل هذه الحيل على أفراد الجيش المصري، وعندما أدرك النظام أن الجيش لن يطلق النار على المتظاهرين، وبعد محاولة أفراد من الجيش قتل نائبه عمر سليمان، تنازل مرغما عن السلطة وسلم الحكم إلى مجلس عسكري على رأسه المشير حسين طنطاوي. يعمل حكام مصر الجدد مستعينين بحركات المعارضة، ومنها حركات إسلامية على الالتفاف على مطالب أهل مصر، بغية تسويق دستور كفر لا يختلف كثيرا عن الدستور السابق، ويعملون للإبقاء على هيمنة الكفار خصوصا أمريكا على مصر وأهلها ومقدراتها. فالجيش المصري ساهم في إزالة رأس النظام وبعض رموزه، وهو قادر على إحداث التغيير الجذري بإقامة الخلافة، لكنه لم يفعل بسبب التضليل وعمليات الالتفاف الشيطانية من قبل العملاء الفكريين والسياسيين في مصر. أما في ليبيا فإن نظام معمر القذافي الذي جاء إلى الحكم بانقلاب عسكري ضد حكم إدريس السنوسي في الأول من شهر أيلول سنة1969، يدرك الخطورة التي تكمن في الجيش على نظامه المعادي لأهل ليبيا وعقيدتهم، فجعل الجيش يتكون من كتائب أمنية لا ترابط بينها وجعل على رؤوس هذه الكتائب أولاده والموالين له. عندما قامت الثورة انحاز بعض أفراد هذه الكتائب وخصوصا في بنغازي إلى الثورة، وتم تنفيذ إعدامات بالجملة للجنود الذين رفضوا إطلاق النار على أهلهم. مع استمرار الثورة والبطش العنيف الذي قامت به كتائبه الأمنية التي ظلت متماسكة إلى حد بعيد، وجد الكفار وعلى رأسهم أمريكا والاتحاد الأوروبي الفرصة للتدخل عن طريق مجلس الأمن، وبدأت الحملة الجوية على ليبيا وألجأت الثوار للاستعانة بالقوات الأجنبية، وأخذت الدول الغربية تعمل على ترتيب الأمور في ليبيا لما بعد فترة حكم القذافي. أما في اليمن فقد استمرت الثورة فترة ليست بالقصيرة، وكانت سلمية بامتياز، مما أغاظ علي عبد الله صالح وأولاده وأولاد عمه، فقاموا بمهاجمة المتظاهرين في اليمن بواسطة قوات الحرس الجمهوري الموالية للنظام والتي يقودها ابنه.
حدثت انشقاقات في الجيش اليمني، وحصلت اشتباكات بين القوات الموالية والوحدات المنشقة على نطاق ضيق حتى هذه اللحظة. تحاول بريطاني وأمريكا ترتيب الأمور في اليمن بإقناع علي عبد الله صالح بترك الحكم بحيث يظل نظام اليمن القادم على ولائه للغرب وشريكا له بالحرب على الإسلام فيما يسمونه زورا وبهتانا الحرب على الإرهاب. أما في البحرين فقد تم قمع المتظاهرين، وتم الاستعانة بقوات من مجلس التعاون الخليجي، وهذا يدل على أن النظام البحريني لم يكن مطمئنا إلى ولاء القوة العسكرية البحرينية.
أما في سوريا ذات النظام المركب من شبكة من الأجهزة الأمنية التجسسية، فان النظام فيها قد تعامل مع الثورة من البداية بشكل دموي وإجرامي ومتلازم مع سلسلة من الأكاذيب. استعان النظام بوحدات معينة من الجيش خصوصا الفرقة الرابعة ذات الصبغة الطائفية، والتي يقودها أخو رأس النظام (ماهر) مضافا إليها أجهزة الاستخبارات لقتل وإرهاب الناس، حيث قصفت درعا بالمدفعية، واجتاحتها مستعينة بأجهزة النظام السرية، وأطلقت النار على الجنود الذين رفضوا إطلاق النار على إخوانهم, ويقول أهل سوريا إن المقابر الجماعية التي تحوي رفات الجنود هم الذين تم إعدامهم وقتلهم على أيدي النظام، والملاحظ أن ألوية الفرقة الرابعة قد أنهكت بسبب تنقلها الدائم من مكان لآخر في سوريا، ويلاحظ أن النظام لم يرسل قوات تقتصر على الجيش فقط إلى أي مكان في سوريا، ويدمج دائما بين قوات موالية للجيش مع وحدات المخابرات. من استعراض ما حدث ويحدث في مصر وتونس والبحرين واليمن وليبيا وسوريا، يظهر أن جيوش الأمة بصفتها جيوشا ليست عدوة للأمة، وإن استطاع هذا النظام أو ذاك أن يوظف بعض وحداتها في قمع الثائرين في تلك البلدان، مستعينا بأساليب المكر والمال والسيف والتخويف لأبناء الطوائف التي تعيش في بلاد المسلمين، بأن الأنظمة هي التي تحمي هذه الطوائف من المسلمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.