هو يوم من أسود الأيام فى تاريخ الأمة الإسلامية، مثل هذا اليوم من عام 1924، حين صوت البرلمان التركي على إلغاء نظام الخلافة، بعد أن كان مصطفى كمال قد أعلن قيام الجمهورية التركية، وبذلك طويت صفحة بدأت مسيرتها منذ وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينةالمنورة، وأقام أول دولة إسلامية لتستمر بعد وفاته حاملة اسم الخلافة، لتكون رمز وحدة الأمة الإسلامية، وراعية شئونها الدينية والدنيوية، فلم يكن للمسلمين جنسية إلا هي، ولا عرفوا دولًا قومية، ولا انضووا تحت رايات جاهلية، حتى احتل الغربيون معظم البلاد الإسلامية، وعملوا على إزالة هذا الرمز الّذي يمثّل قوة المسلمين. تولى (اليهودي) مصطفى كمال أتاتورك فى غفلة من الزمان حكم تركيا، وكان كل همه هو إلغاء الخلافة الإسلامية، ليتفرغ بعد ذلك لتغيير وجه تركيا جذريًا، حتى لا تبقى لها صلة بالإسلام، فبدأ بإعلان أنقرة عاصمة للبلاد خلفًا لإسطنبول، ثم اتخذ تدابير صارمة لبلوغ غاياته، فأعلن الحرب على التدين، وجعل مدار نشاطه توطيد أركان العلمانية، وإعادة "الهوية التركية" للشعب، وتخليصه من التأثير العربي، ففي 1925 فرض ارتداء القبعة للرجال بدل الطربوش كإجراء رمزي لتطليق العادات الإسلامية، وتبني التحول إلى العادات الغربية، فعل هذا باسم الديمقراطية التي تحترم الحياة الخاصة والاختيارات الشخصية، فلا تتدخل فيها، لكنه كان يرفع شعارها ليغطي على نزعته الاستبدادية التي تغذيها عداوته الشرسة لدين الله ولغة القرآن، حتى إنه منع الحجاب وكل الملابس التقليدية على الرجال والنساء، وقد "سمح" برفع الآذان في المساجد لكن باللغة التركية، وكم كان يتضايق من لفظ الشهادتين، لأن فيهما تعظيمًا للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كان يرى أنه أجدر بالذكر منه. ألغى التاريخ الهجري ليعتمد التاريخ الميلادي، كما اعتمد الحروف اللاتينية لكتابة اللغة التركية بدلًا من الحروف العربية، وغيّر العطلة الأسبوعية من الجمعة إلى الأحد، وألغى كل الضوابط الشرعية المتعلقة بالمرأة لتتساوى مع الرجل تمامًا، من غير اعتبار للفوارق الطبيعية بين الجنسين. ثم أقدم على أخطر إجراءاته على الإطلاق، وهو إلغاء أحكام الشريعة الإسلامية وتبّى القوانين الوضعية، ففرض القانون المدني السويسري والقانون الجنائي الإيطالي، والقانون التجاري الألماني، فاحتكم المسلمون لأول مرة في تاريخهم إلى قوانين غير ربانية بل وضعية وأجنبية. وقد اعتمد مصطفى كمال في حملته الشرسة لمحو آثار الإسلام والعربية على سياسة قمعية وحشية استهدفت علماء الدين بالدرجة الأولى، وطالت كل من اعترض على توجهاته، فكان التقتيل والسجن والتشريد إلى جانب السخرية الرسمية بمظاهر التدين كلها وانتهاك أبسط الحريات الشخصية، كل هذا باسم الديمقراطية، رغم أنه كان مستبدًّا طاغية لم يفوضه الشعب لمعاداة الإسلام، ولا لتغيير وجهة البلاد، كما لم يحترم رأيًا مخالفًا، أي أنه لم تكن له علاقة بالديمقراطية في قليل ولا كثير.