الإنسداد السياسي لابد وأن يعقبه انفجار يمثل أحيانًا ثورة، ولعل حالة الانسداد الكاملة للحركة السياسية في مصر في الثلاث سنوات السابقة على ثورة يناير كانت أحد أهم أسباب اشتعالها، وصل ذلك مداه الأقصى عندما تجمعت قوات الأمن المركزي لتفرض كردونًا على مقرات الوحدات المحلية ومباني إدارة الأحياء والمدن التي كانت مقرات لتقديم أوراق الترشح للمجالس الشعبية المحلية في آخر جولة لها منعًا لغير مرشحي الحزب الوطني من التقدم بأوراقهم، وأعقب ذلك حالة من الانسداد الكامل عندما فاز الحزب الوطني بكل مقاعد مجلس الشعب تقريبًا في أكبر عملية تزوير جلي فصولها ترشح الإخوان المسلمين في عدد من الدوائر وكان للتعامل الهستيري الذي ميز تعاطي أحمد عز وجمال مبارك مع مرشحيهم الأثر الأوضح في فضح ذلك التزوير فضلًا عن حالة الانسداد في التقدم للوظائف والحصول على الأراضي وممارسة التجارة في مستوياتها العالية والمتوسطة. ويبدو أن "وجهاء" جبهة الإنقاذ يحاولون خلق وتصوير وضع مشابه لذلك الذي سبق ثورة يناير وعلى طريقة "دون كيشوت" في مطاردة طواحين الهواء فإن البرادعي وأتباعه يحاولون صناعة وهم من الانسداد السياسي يصنعونه في الإعلام الإجرامي الذي تديره عصابات رجال أعمال العهد البائد، ثم يدعون إلى الخروج في مشهد كوميدي فلا يخرج سوى سفلة القوم من متعاطي المخدرات وأرباب السوابق والبلطجية، ينصبون الخيام كرمز للاعتصام ثم يديرونها للدعارة وحفلات الاغتصاب الجماعي، ويقود أبو حامد المليونية تلو المليونية (هكذا يطلق عليها قبل انطلاقها) وينهيها برقصة مجانية يقوم بها منفردًا وسط بعض "المساطيل" ليثبت لمستأجريه أنه قام بكل شيء بدءًا من قيادة الجماهير وانتهاء بالرقص لهم. يذكرني المشهد المتكرر لمحاولة جبهة الإنقاذ لإشعال ثورة برجل مسن بجوار منزلنا قبل ثلاثين عامًا كان يحاول إشعال فتيل من القطن من "ولاعة" عتيقة جدًا ولا يلبث الفتيل أن يلتقط النار حتى ينطفئ قبل أن يشعل الرجل سيجارته "اللف"، فالجبهة بمفرداتها غير المتجانسة هي نتاج لحركات مختلفة حاولت على مدى العامين الماضيين تزوير ثورة وتزوير أحداث سياسية وحتي التزوير في الشعب نفسه بإظهار شعب غير الشعب المصري يشعر بالانسداد السياسي والفكري ويثور في نفسه لاعنًا ثورته ومنقلبًا عليها. والحقيقة أن ما تقوم به جبهة الإنقاذ لن يؤدي أبدًا إلى ثورة أبدًا لأن الظرف غير ملائم بالمرة من أكثر من وجه، فالشعب ذهب إلى صندوق الانتخابات خمس مرات خلال العاميين الماضيين وعبر عن رأيه بكل حرية وصنع مؤسسات بإرادته الكاملة بل إنه يشعر بالغبن في قراره وكرامته لحل مجلس الشعب الذي تشكل على عين الأمة وبأيديها حتى غُدر به عمدًا وكذلك اختار رئيس الجمهورية ولم يزل يمارس العمل الديمقراطي الكامل دون أية ضغوط أو إجبار، وعليه فإن الانسداد السياسي الذي يشعل ثورة هو أمر خيالي من كل الوجوه ويبقى مستصغر الشرر الذي تحاول الجبهة التقاطه ليكون شرارة البدء غير قادر على ذلك بالكلية. إن مقاطعة الانتخابات من قبل الجبهة بطوائفها المتعددة أمر مستحيل فالوفديون سيشاركون في الانتخابات قبل السيد البدوي إن لم يقبل وإن كان ثمن مشاركتهم فيها هو الانقلاب عليه فإنه بالنسبة لهم ثمن بخس لن يترددوا في دفعه، وكذلك المصريون الأحرار الذين يتوقون إلى الجلوس تحت القبة بعد أن يحصدوا الأصوات الطائفية كما فعلوا في البرلمان السابق وغير ذلك من الأحزاب الكثير، وإن تصوير مقاطعة الانتخابات على أنها حالة من الانسداد السياسي لن تنجح هنا أيضًا لأنه لا يوجد ما يبررها فالقنوات الشرعية في أقصى درجات اتساعها وثمارها متاحة لمن يختاره الشعب لا مقطوعة ولا ممنوعة. وبقي للجبهة الملجأ الأخير عندما يولي رئيسها وأتباعه وجوههم شطر البيت الأبيض متوسلين أحيانًا وباكين في الصلوات أحيانًا أخرى، وحتى هذا الأمل الأخير أصبح مشكوكًا في جدواه بعد الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأمريكي الجديد وتوجيه الدعوة للرئيس الدكتورمحمد مرسي لزيارة الولاياتالمتحدة، وهو ما يتوقع معه محاولة جديدة لقطع هذا الطريق ووضع المطبات فيه بكل الطرق خصوصًا من قبل أقباط المهجر الذين يخشون فتح ملفات التعاون الاستخباراتي مع أمريكا السابقة على ثورة يناير وخلال المرحلة الانتقالية. لن تجد الجبهة حلًا لأزمتها في القريب العاجل فشخوصها تقريبًا قد احترقت بالكامل وستصبح بعد أشهر قليلة تماثيل من شمع صنعتها في المرحلة الانتقالية عوامل التعرية التي تعرضت لها العملية السياسية. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]