اجمع من أرشيفك أقوال الحكام في مصر منذ ستين عامًا وطابق الألفاظ والمعاني... فإنك سوف تجد تشابهًا كبيرًا فيما بينها إن لم يكن تطابقًا كاملًا... المعارضة لأي نظام حاكم هي من وجهة نظره التي تريد الفساد وهي التي تعبر عن القلق وهي أيضًا عدوة الشعب وتريد أن توقف عجلة الإنتاج.. فكانت من كلمات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تلك العبارة المأثورة "إن الحرية كل الحرية للشعب ولا حرية لإعداء الشعب". فمن كان يخالف عبد الناصر يدخل في قائمة أعداء الشعب وليس أعداء جمال عبد الناصر.. ولكنك أيضًا تلاحظ نفس العبارة في خطاب الرئيس أنور السادات وهو صاحب المصطلح الشهير "أنياب الديمقراطية" فهذه الأنياب كان يهدد بها الذين يتآمرون على مصر حسب المصطلح الشائع في خطاب السادات الشهير... وبالتالي فإن السادات في حد ذاته لم يكن له أعداء حسب فهمه وإنما كان الأعداء هم أعداء مصر... فكما فعل عبد الناصر بأن ربط بين الشعب وبينه وكأن معارضته هي معارضة الشعب. فعل السادات أيضًا نفس الأمر بأن ربط بين مصر وبينه... وهذه هي لغة الفراعين فكان فرعون يؤكد دائمًا أن له ملك مصر وكان يؤكد أن الذين يخالفونه إنما يريدون أن يذهبوا بطريقة الشعب المثلى... ولم يكن مبارك مختلفًا عن سابقيه فرغم إزدياد صوت المخالفين له إلا أنه كان يراهم من أصحاب المصالح الخاصة التي تناقض مصلحة الوطن وبالتالي فقد منح نفسه مبررًا للتزوير في الانتخابات وفى الضرب والقتل والتعذيب وكانت آخر عباراته الشهيرة "إن الوطن يملى علينا أن نقف ضد محاولات التعويق التي يروج لها البعض"، والآن جاء إلى مصر الدكتور محمد مرسي.... وإذا ما حاول البعض منا أن ينبهه إلى أمر تعرضنا لسياط هي أقوى من سياط الجلادين في العهود الماضية مع أن الأعراض قد بدأت في الظهور على وجه الرئيس مرسى فتسربت عبارات في لغته تدل على نشاط الفيروس الديكتاتوري في عباراته الأخيرة فلاحظ معي أيها القارئ الكريم عبارات سيادته التي تحتوى على جملة "ولكننا نملك ما نضرب به" وقارن بينها وبين "أنياب الديمقراطية" التي كان يستخدمها السادات فلم يفترض الرئيس مرسى أبدًا أن الخطأ قد يحتوى على بعض قراراته أو على خطواته مع أنه أسرع رئيس في عهده تم استقالة مستشاريه أو تم عزلهم ففي أقل من مائة وخمسين يومًا استقال جميع المستشارين المحيطين بالرئيس أو أقيلوا عدا أربعة على ما أذكر وهم من نفس الانتماء الفكري للرئيس... وكان عدد القرارات التي عدل عنها الرئيس يزيد على ست قرارات منها إعلانات على مستوى الدستور وانتهاءً بتحديد أعياد الأقباط في مصر لتكون هي موعد الانتخابات. فالرئيس مرسى يحتاج إلى معالجة فيروس الديكتاتورية داخل نفسه وهو أحق بالحماية من غيره ومن هنا فلن نمل في نصحه وانتقاده لإن في هذا الأمر سر نجاته... هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن المنافقين يا سادة هم أيضًا نفسية واحدة وإن اختلفت بواعثهم وأهدافهم ونوع الأجر الذى يتقاضونه... فالمنافقون في عصر فرعون طلبوا الأجر قبل أن يبدأوا في مقاومة الأنبياء والمصلحين... وفى العصور الوسيطة كانت للمدّاح "صرة من الدنانير" مع ضحكات السلطات أو الحاكم وعبارات التقدير من أول "أحسنتم... أحسنتم" وانتهاءً ب"عفارم.. عفارم" أما في العصر الحديث في مصر فقد غير المنافقون اللغة.. ففي عهد عبد الناصر خضع قليل من الأدباء والكتاب للخوف الذي كان يفرضه الحكم الديكتاتوري بينما لم يخضع الكثيرون منهم لسطوته ومع ذلك فقد ظهرت كتب النفاق المحترفة وكل ذلك في نفاق رخيص للرئيس جمال عبد الناصر ونفس الأمر في عصر السادات وتصدرت جريدة أخبار اليوم تلك المظاهرة النفاقية.. وكلما وقع قليل من "الجاز" على أرض مصر... لا يتحدث المنافقون عن خطأ الطفل الصغير الذي سقط منه لتر الجاز الذي اشتراه لأمه أثناء مروره بالشارع وهو يعود إلى منزله وإنما يتحدثون عن البركات التي حلت بمصر بعد تولى الرئيس السادات حكمها فظهرت آبار البترول حتى في الشارع العمومي.... أما الرئيس حسنى مبارك فالخلاصة أن أغلب من كانوا يقبلون أقدامه قبل الأكل وبعده هم الآن الذين ينتقدون سياسته ويجلسون على الفضائيات للحديث عن فساد الرجل... وعلى العموم فأنا واثق أن في داخل الرئيس المخلوع حسنى مبارك نفسية جبارة عنيدة لأنني لا أعتقد أن شخصًا آخر في مصر كان من الممكن أن يحتمل ما يراه الآن من سب ولعن يقوده من كانوا يتسابقون على تقبيل التراب تحت أقدامه وهذا هو حال المنافقين دائمًا... ولكن الرئيس مرسى أيضًا يتعرض لذات المؤامرة... فالمنافقون حوله على أنواع أبسطهم هو النوع الأول... فهو يدافع أو ينافق عصبية أو انتماء أو حبًا وينافق من أجل الدفاع عن منهجه الفكري الذي ينتمي إليه... فهذا النوع الأول يحصل على مقابل نفسي من دغدغة الانتماء للنفس الإنسانية أما النوع الثاني فهو يسارع إلى النفاق والمجاملة حتى يجد لنفسه مكانًا في لعبة الكراسي الموسيقية وهذا النوع الثاني يطلب أجرًا محتملًا والأذكياء في النوع الثاني سارعوا إلى الحضور عند جولة الإعادة فى انتخابات الرئاسة وبعضهم حقق لنفسه كرسيًا من كراسي لعبة الكراسي الموسيقية إلا أنه مع الأسف سرعان ما فقده ليس لأنه تخلى عن النفاق وإنما لأن رصيده... قد نفد... أو لأسباب أخرى أما النوع الثالث من المنافقين فهم الذين كانوا يصفون النادي الفكري للإخوان المسلمين بأنه نادي الدم... وأن دعاتهم هم دعاة القتل... وبالرغم من وجود مقالاتهم ولقاءاتهم المسجلة على كل المواقع الإلكترونية إلا أن هذا لم يمنعهم من أن يبدلوا رأيهم ويعلنوا عكس ما كانوا يعلنون... وذلك تطبيقًا لقاعدة مؤداها أن "النفاق لا يعرف الخجل" أما النوع الرابع وهو أخطرهم فهذا الذي يجعل من الرئيس مرسى أداة لتحقيق أهدافه الشخصية فتجد من يطالبه بقتل المتظاهرين وسحل المعارضين وقد تحدث الرئيس مرسى عن هذا الصنف في اللقاء الأخير برجال الأعمال وهو يقول إن هناك من يطالبه بضرب الإعلام ولإن المنافقين والمتسلقين يحملون نفسية واحدة إلا أن أسلوبهم الحركي يختلف... فهناك من يحصل على "صرة الدنانير" وهناك من يسعد بكلمة "عفارم منافق باشا.. عفارم" وهناك من يطلب الوزارة ويصبر عليها فإن لم يحصل عليها في التعديل الأول.. حصل عليها بعد ذلك... E-MAIL:[email protected]