الإحصاء: ارتفاع معدل البطالة فى الربع الأخير من عام 2012 إلى 13% د.صلاح جودة: زيادة معدلات البطالة يرجع إلى الانفلات الأمنى والوقفات الاحتجاجية أسامة غيث: يجب خلق قطاعات لا تتطلب استثمارات ضخمة لامتصاص حلقات البطالة الواسعة عزة كريم: رفض دعوات العصيان حتى يأتى السياح والمستثمرون طبقا لمنظمة العمل الدولية، فإن العاطل هو "كل قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه ويقبله"، والواقع يؤكد أن معدلات البطالة فى مصر فى تزايد ملحوظ، فقد أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء مؤخرا عن ارتفاع معدل البطالة فى الربع الأخير من عام 2012 ليصل إلى 13% من إجمالى قوة العمل مقابل 8.9% فى الربع الأخير من عام 2010 أى قبل اندلاع ثورة 25 يناير 2011 ليصل عدد المتعطلين إلى 3.5 مليون بزيادة قدرها 1.2 مليون متعطل بنسبة 51% عن نفس الربع من عام 2010. وذكر البيان مقارنات بين فترات ما قبل الثورة وبعدها وأسباب ارتفاع معدل البطالة خلال الربع الأخير من عام 2012، وجاء فى البيان أن الزيادة الملحوظة فى هذا المعدل نتيجة ثورة 25 يناير وما ترتب عليها من أحداث وتباطؤ فى الأنشطة الاقتصادية بشكل عام خلال تلك الفترة. يرجع السبب فى زيادة البطالة إلى تباطؤ الأنشطة الاقتصادية بشكل عام خلال تلك الفترة، حيث بلغ حجم قوة العمل خلال الربع الأخير من العام الماضى نحو 27 مليون شخص بزيادة قدرها 18 ألف فرد بنسبة 4.% مقارنة بالربع السابق عليه بارتفاع قدره 833 ألف شخص بنسبة 3.1% عن الربع الأخير من عام 2010. يقول سامح محمود 35 عاماً: أنا متزوج ولدى 3 أطفال تنقلت كثيراً فى العمل الخاص بعد أن يئست من إيجاد فرصة فى عمل حكومى وأصبحت بين الحين والآخر أبحث عن عمل من جديد، وأشعر بالخوف بسبب ظروفى المعيشية الصعبة وعدم القدرة على تلبية مصاريف أولادى من إيجار ومدارس وأكل وشرب أشعر بمرارة من المستقبل المجهول الذى ينتظرهم. يستطرد سامح: كنت أتمنى أن تحقق لى الثورة حلمى فى الحصول على فرصة عمل ثابتة تناسب تعليمى لكننى وجدت صعوبة فى ذلك، ومازلت أحلم بالوظيفة المستقرة التى تضمن الحياة الكريمة لى ولأسرتى وتحسين مستوى المعيشة بدلاً من الاعتماد على الأهل والأصدقاء فى مصاريف البيت التى لا تنتهي. ويقول أحمد الجندى بكالوريوس تجارة دفعة 1998: عملت مدرسًا بإحدى المدارس الحكومية بنظام العقد واستمررت على هذا الحال لمدة 3 سنوات بمرتب ضعيف لا يكفى حتى أجرة المواصلات، ثم فوجئت بعد ذلك باستغنائهم عنى أنا ومجموعة من زملائى الذين يعملون أيضا بنظام العقد وذهبت مستحقاتنا أدراج الرياح. أما كريم الحلى مرشد سياحى يقول: بسبب الانفلات الأمنى وانتشار البلطجة المنظمة والفوضى، أصبحنا الآن بلا عمل ولا حتى دخل، متسائلاً: كيف نعيش ونجيب منين لكى ننفق على أسرنا؟ وطالب كريم بضرورة توفير دخل ثابت لهم وبدل بطالة لحين عودة النشاط السياحى لما كان عليه ومعالجة القصور الأمنى فى المناطق الأثرية ومنع الباعة الجائلين من التواجد بتلك المناطق حتى لا يؤثر ذلك على السياح. وطالب كريم بعودة الأمن وتأمين المرشدين والأفواج السياحية، مؤكدا أنه وبقية زملائه بلا عمل منذ أكثر من عامين. من جانبه، يقول الدكتور صلاح جودة رئيس مركز الدراسات الاقتصادية والمستشار الاقتصادى للمفوضية الأوروبية إن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أعلن فى 16/2/2013 أن نسبة البطالة فى مصر زادت ووصلت إلى 9% من عدد المشتغلين البالغ عددهم 27 مليونا، أى أننا نتكلم عن نسبة بطالة موجودة على الأقل 2.5 مليون شخص. ويؤكد جودة أن هذا الرقم غير حقيقى لعدة أسباب منها أن نسبة البطالة عندما يتم حسابها ليس فقط بنسبة العاملين بل يجب أن يحسب معها نسبة الموجودين فى سن العمل ويمكنهم العمل ولا يجدون فرصة للعمل وسن العمل فى مصر من 18 سنة إلى 60 سنة، وهذه النسبة لسن العمل تمثل 52% من حجم المصريين والذى يعمل فى هذا الوقت حوالى 6.5 مليون موظف فى القطاع العام سواء فى الحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال والوحدات المحلية، بالإضافة إلى 550 ألفاً يعملون بعقود مؤقتة، ومجموع الكل يساوى 7 ملايين موظف فى القطاع العام، كما يوجد أيضا 7 ملايين عامل فى القطاع الخاص الذى لا يعمل بكامل طاقته حاليا، حيث كان مرصودًا للقطاع الخاص حوالى 6 ملايين آخرين، وأصبح مجموع العاملين فى القطاع الخاص 13 مليونا، والقطاع غير الرسمى فى حدود 6 ملايين آخرين، ومن هنا نستطيع أن نقول إن الذى يعمل 18 مليون فرد، وليس 27 مليونا، كما ذكر. ويضيف جودة أن ثورة 25 يناير 2011 حتى الآن مر عليها 753 يوما، نجد أن المصانع تعمل فى مصر بنسبة لا تتجاوز 15% مما يعنى أن 85% من المصانع التى تعمل أصبحت فى بطالة كما يوجد 3602 مصنع، تم إغلاقهم سنة 2012 من 1/1 إلى 31/12، أما فى سنة 2011 تم إغلاق 3600 مصنع، أى أنه تم إغلاق 7200 مصنع خلال العامين السابقين بعد الثورة. وعن أسباب زيادة معدلات البطالة خلال العامين السابقين بحسب جودة يرجع إلى الانفلات الأمنى وانخفاض الجنيه المصرى أمام الدولار الذى تسبب فى انخفاضه فى حدود 15%، مما أثر على حركة المصانع وحركة الفنادق والوقفات الاحتجاجية، حيث يوجد بالفعل فنادق تم إغلاقها بالكامل، يؤكد جودة أن قطاع السياحة الذى كان يأتى إليه من 12 مليوناً إلى 13 مليون سائح سنويًا، أصبح يستقبل عددا لا يتجاوز 3.5 مليون سائح، وبالتالى نجد أن شركات وقرى سياحية أصبحت تعمل بنسبة 5% إلى 6%، وفى ظل هذا التراجع الرهيب تم خفض العمالة. ويتابع جودة نفس الفكرة بالنسبة للمصانع، نجد أن معظمها تم إغلاقه وخاصة مصانع زيوت الزيتون التى كانت تتعرض للسطو المسلح على العربات المحملة بتلك الزيوت مما قلل من الإنتاج المحلى داخل مصر، مما تسبب فى زيادة الواردات من الخارج، وأصبح سعر الدولار أعلى، مما يسبب نوعًا من الركود التضخمى. وعن الحل لمواجهة زيادة البطالة فى مصر، يقول جودة: لكى نستعيد الأمن يجب أولاً أن توفر الحكومة فرص عمل ووظيفة للشباب ممن يقومون بعمل وقفات احتجاجية، فإذا وجد الشاب الوظيفة لا يستطيع بعدها الوقوف فى الشارع، وهذا لن يتم إلا بعد أن تقوم البنوك بحل جميع مشاكلها المالية مع المصانع، مما يجعل العمل يمتص هؤلاء الشباب ويحتضنهم. يتفق معه فى الرأى أسامة غيث الخبير الاقتصادى ومدير تحرير الأهرام الذى يرى أن الإحصائية الأخيرة عن زيادة نسبة البطالة فى مصر، والتى أصدرها الجهاز المركزى مؤشر خطير بكافة المقاييس العالمية والمعدل الذى كان ينشر قبل ذلك كان يتراوح ما بين 10% و12%، ونحن كخبراء ومتخصصين كنا نعتبره معدل بطالة شديد الارتفاع، لكن أن يصل الأمر إلى مضاعفته أكثر من مضاعفة معدلات البطالة بعد عامين من الثورة، فهذا يعنى أن طموح الثورة والثوار والمجتمع والدولة التى كانت تسعى إلى توفير فرص العمل لم تتحقق على الإطلاق، بل إن المسار كان عكسيًا، وكان هناك المزيد من فقدان فرص العمل فى كافة القطاعات والمجالات، وهذا يعنى أن دوافع الثورة ودوافع الغضب ودوافع الرفض لدى قطاعات عديدة من المواطنين بدأت تتصاعد وتتفاقم، لأن حق العمل حق أصيل من حقوق الإنسان وهو حق ضرورى للبقاء وتوفير مستلزمات الحياة من خلال الدخل الذى يتم الحصول عليه من خلال العمل، كل هذه المؤشرات تعكس فى النهاية أن الاقتصاد المصرى يتراجع، وأن هناك قطاعات إنتاجية تتوقف جزئيًا أو كليًا، مما يعنى أن الاستثمار الجديد شبه مفتقد وغير موجود. وعن الحل للقضاء على البطالة يقول غيث: البطالة لا يمكن حلها فى لحظة، لكن يمكن حلها فى الأجل القصير برجوع الدور الأمنى لوزارة الداخلية وقطاعاتها لفرض الاستقرار والهدوء والطمأنينة على الشارع، ويجب أن تزيل الحكومة أسباب التوتر الجماهيرى وغضب الناس وتفجرهم وعدم خروج الناس للتظاهر على (الفاضية والمليانة)، على حد تعبيره، يضاف إلى ذلك أن يكون هناك خطط سريعة وخلق قطاعات مختلفة لا تتطلب استثمارات ضخمة ولا استثمارات طويلة أو متوسطة الأجل لامتصاص حلقات البطالة الواسعة التى ظهرت خلال الفترة الماضية، سواء إنتاجية أو خدمية تكون قادرة على توفير فرص العمل. وفى سياق ذى صلة، تقول الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية إن معدلات البطالة زادت فى المرحلة الحالية أكثر مما كانت، لكن يجب أن ننظر لها بمنظور مختلف بمعنى أن البطالة فى المرحلة السابقة قبل ثورة يناير كانت بطالة مزمنة، أى أن العوامل التى تساعد على البطالة كانت موجودة، ولم يحاول أحد معالجتها، لذلك كانت تزداد البطالة يومًا بعد يوم دون علاج، أما البطالة الآن هى بطالة مؤقتة، لأن ما يحدث فى المجتمع المصرى من صراعات وبلطجة تؤدى إلى خوف المستثمرين والسياح من المجىء إلى مصر. وتؤكد كريم أنه يوجد أمل أن تقل البطالة وربما تتلاشى فى ظل النظام الحالى الذى يبحث عن كيفية إيجاد فرص استثمار مختلفة، حيث بدأ بالفعل فى استخدام ثروات البلد سواء فى الزراعة أو الصناعة، لكن رغم انتشار البطالة، إلا أنه يوجد تغيير فى التعيين، فنجد أن الكثير من العقود المؤقتة تحولت إلى عقود دائمة. وللقضاء على البطالة، تقول كريم: الأمل الوحيد فى القضاء أو التقليل من نسبة البطالة فى مصر هو استقرارها والقضاء على البلطجة والعنف الموجود داخل المجتمع ولابد من استمرار الشعب فى العمل وترك المظاهرات ونبذ العنف.