1- ثانيًا التوجه الإسلامى الذى يحمل دفاتر التراث العميق ويحكى عن الإسلام النموذج وهو بعيد عن الواقع العالمى والعملى، بل بعيد عن فهم التطبيق للنظريات السياسية للإسلام ذاته، وأشبه هذا التيار بمن يقرأ كتب التفسير وكأنها كتب للفقه والحكم، مع أنها وسائل للحكم والفتوى وليست مكاناً لإصدار الفتوى ذاتها، فالمفسر يجمع ويقرأ ويحلل وقد ينقل الوقائع لكنه يحلق بعيدا عن الواقع، عكس الفقيه الذى ينزل الحكم حيال المسألة فى الواقع ويعيش الوقائع والواقع معًا. وسوف يصوت لهذا التيار الطوباوى كل الحالمين بسمن الإسلام وعسله دون أن تشاك لهم شوكة فى سبيل أن يوجد هذا الإسلام، ومنهم بطبيعة الحال من يفهم ذلك، لكنه يقول: نصل أولاً إلى أغلبية تبشر بالإسلام ثم نوضح للجمهور عبر التنازلات العملية أن التنظير غير التطبيق وسيقبل منا الجمهور وسيصوت لهذا التوجه عدد كبير من المصريين. ليس ثقة فى المشايخ كما يدعى الإعلام، بل لأن عددا كبيرا من المصريين يفكر بذات الطريقة ويتوجه لذات المبادئ. 2- التيار الإسلامى الذى شارك وقدم تنازلات من قبل، وحاول أن يوائم بين القوى الغربية والشرقية وفهم خلال أحلامه وممارسته العملية الطويلة للسياسة أن التدرج واجب شرعى وضرورة وطنية، وهو يبصر السيرة النبوية أكثر من الواقع العملى اليوم، بل هو متمسك بالسيرة كطريق وحيد للوصول بالسياسة الإسلامية إلى مقاصدها العليا، وخطأ هذا التيار لا فى منهجه فهو صاحب أفضل رؤية سياسية للإسلام، حيث لا يقتصر فى العقيدة على رؤية عالم بعينه، بل يحترم كل علماء أهل السنة بلا استثناء، سلفيين وأشعريين وماتوريديين، وتلك هى مذاهب أهل السنة فى العقيدة شرقا وغربا، أو حتى ربما عاد بالعقيدة إلى مصدرها المباشر بلا مذاهب، كما أنه لم يقتصر فى الفقه على مذهب بعينه من مذاهب أهل السنة، بل ساوى بين جميع مذاهب أهل السنة فى تناول الحكم الفقهي، إنما خطاه – كما أتصوره - بل أكبر مصيبة تواجهه هى الإعلام، فرغم قدرات وتنوع أفراده لا يملك قوة عرض حجته ولا من يعرض له هذه الحجة، وذلك أيضًا لتمسكه بالسيرة التاريخية للمسلمين السنة، التى تجعل الصبر مفتاحا أساسيا للسياسة، فهذا التيار يلعب على الوقت وحسن التنظيم وينتظر الفرج دائمًا من السماء (ولست معترضًا على انتظار الفرج فهو رجاء كل مؤمن)، لكن كل ما أخشاه أن الصبر فى الماضى كان وسيلة سهلة لبطء الأحداث وتباعد المسافات وعدم سرعة نقل المعلومات، فى حين أنه أصبح اليوم وسيلة صعبة للغاية، فإذا صبر هذا التيار حتى ينجوا من أعدائه القريبين، فماذا سيفعل مع أعدائه المتربصين عن بعد؟ وماذا سيفعل لو أن كوادره التى حافظت على التنظيم انشغلت بالعمل العام، خاصة أنه سيسحب مضطرا أفضل شخصياته للمؤسسات المختلفة، وقد يؤدى ذلك لوهن التنظيم، فلا هو حقق الحلم الكبير: إعلاء كلمة الله وتحقيق مجتمع إسلامى نموذجى، ولا هو حافظ على التنظيم الوسيلة التى تمكنه من إعادة الفعل متى استدعاه. ومع ذلك فأنا مقتنع أن الصبر وعدم تجريح الآخر سيمنح هذا التيار أكثرية من أصوات المصريين فى الانتخابات القادمة وسيظل فى المقدمة. - يمكن أن نعد أحد أفرع التيار الأخير تيارًا لكونه حاول أن يبلور رؤية بعد خرج معظم قياداته من السجن قبيل الثورة وهم فى الحقيقة يحملون رؤية التيار الأخير فكرًا ويقتربون من سابقتها عملاً، ولهم وجود فاعل فى صعيد مصر، ولكن الثورة قامت ولم تتبلور رؤيتهم واقعًا. لهذا رؤيتى السياسية أن تتحد الرؤى الثلاث الأخيرة ليعيش الأولون الواقع مع وقائع التراث المجيدة، وليبقى جزء كبير من الثانى محافظاً على التنظيم كوسيلة قوية، تحمى مصر كما حمت ثورتها، وأنا على يقين أنه لو أخلص الطرف الثالث، كما أخلص حزب الوسط فى مسألة الدستور لكان هو حلقة الوصل الحقيقية بين أطياف التيار الإسلامى بجناحيه، حتى لو خسر هؤلاء الانتخابات، لكن سيذكر التاريخ أنهم لعبوا الدور الأهم فى وحدة صف أصحاب المشروع الإسلامى وإنجازه واقعًا عمليًا. - أخيرًا، قصدت أن أوضح الرؤى والتوجهات وما قصدت تحقيرًا لأحد أو تقليلاً من شأنه، بل قصدت أن أبصر الناس بمن سيختارون؛ لأنهم سيساهمون فى مسيرة مصر الجديدة. فليست مصر يمينية أو يسارية، إنما مصر معلمة للعالم بساساتها الجدد وبسياساتها الجديدة: التى هى إسلامية فى مرجعيتها وفى مقاصدها وليست مكيافيلية، نافعة وليست نفعية. - محمود مسعود أستاذ الفكر الإسلامى بكلية دار العلوم