مقاطعة الانتخابات سلوك سياسي أثبت فشله في الماضي في جميع دول العالم ولم يؤد للنتائج المرجوة، فلا الانتخابات توقفت ولا ركبها الإثم دوليًا. المنطق أن تجرى ويضبط فيها التزوير متلبسًا، لا أن تؤجل بمظنة أنها ستكون مزورة. سيكون من الأغلاط الكارثية للمعارضة أن تقرر مقاطعة انتخابات مجلس النواب القادمة بدعوى عدم الاستجابة لشروطها وأن الأجواء العامة غير مناسبة. التيار الشعبي قرر المقاطعة وكذلك تيار الاستقلال، وتقترب من تلك الخطوة جبهة الإنقاذ ومن بين مكوناته حزب الوفد، أعرق الأحزاب الليبرالية في مصر. انسحاب تلك الأحزاب والقوى السياسية من تأسيسية الدستور لم يمنعها من صياغته وطرحه للاستفتاء الذي لم يقاطعوه رغم أن ذلك أقرب للمنطق، فهو مجرد استفتاء لن تخسر المعارضة شيئًا إذا لم تشارك فيه. إذا قاطعت المعارضة انتخابات مجلس النواب ستجلس في بيوتها – تقشر بطاطس – أو تتفرغ لحشد الشوارع الذي من الصعب أن يؤتي ثماره مهما طال به الأجل، فالمتظاهرون في النهاية سيصابون بالاحباط وسينقلب عليهم الناس لأن المعارضين مكانهم المؤسسات المنتخبة وليس الأرصفة والميادين. أقول ذلك وأنا استشرف أن المعارضة يمكنها أن تحقق مفاجآت كبيرة في الانتخابات القادمة خصوصًا أن أداء الإسلاميين وعلى الأخص الإخوان لا يحظى برضا تيارات شعبية عريضة ووارد أن يصابوا بانتكاسة إذا قوبلوا بمنافسة قوية. لكن المشكلة أن جبهة الإنقاذ والقوى الأخرى التي قررت المقاطعة لا تثق في نفسها وفي قدراتها، وقد لاحظنا أن المعارضة تفتقد لهذه الثقة منذ الجدل الذي أثارته بشأن الدستور أولًا أم الانتخابات، ورفضها الإعلان الدستوري الذي حظي بالأغلبية في استفتاء مارس 2011. رغم مرور أكثر من عامين على ذلك لا تزال تعاني من هذا الحالة، وشعارها دائمًا أن الوقت غير مناسب والأجواء لا تسمح بالانتخابات. كانت تلك هي حجتهم التي رفضها المجلس العسكري السابق وصمم على إجراء الانتخابات النيابية السابقة ثم الانتخابات الرئاسية، وجميعها نجحت بامتياز أمنيًا، وتكرر الأمر مع استفتاء الدستور. كم نتمنى أن نرى في مجلس النواب أحزاب الدستور والوفد وبقية مكونات جبهة الإنقاذ، ونتوق لأن يفوزوا بالأغلبية لتتشكل منهم الحكومة مما يثري العملية الديمقراطية ويحقق التوازن في سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية، لكنهم للأسف الشديد تصوروا أن عفريت التزوير مرابط لهم في اللجان الانتخابية ولن يستطيعوا صرفه! كيف يمكنك أن تثبت التزوير وقد قاطعت الانتخابات من الأصل، ثم هل ترضى تلك القوى والأحزاب أن تمارس المعارضة من منازلهم طوال مدة الدورة البرلمانية، أي خمس سنوات بالتمام والكمال، سيكون عمرو موسى بعدها تجاوز الثمانين بسنتين أو ثلاث، وستأفل وجوه أخرى كصباحي والبرادعي. العالم يعترف بالواقع الذي سيفرز خريطة جديدة للأحزاب المؤثرة من خلال تمثيلها البرلماني، فيما ستختفي عن الأنظار الأحزاب المقاطعة حتى لو كان لها بريق النجوم حاليًا، لكن النجوم لا تظهر عندما تشرق الشمس، والمجلس النيابي هو شمس الديمقراطية. [email protected]