كلما شاهدت قنابل المولوتوف الحارقة تتساقط على قصر الاتحادية شعرت وكأنها تحرق بيت كل واحد فينا. وحينما رأيت الصبية والجهال والبلطجية يتقاذفون الحجارة باتجاه القصر أحسست وكأنهم يدقون بها عنق ورأس كل عربي من المحيط للخليج تحرر لتوه بعد ثورة مصر، ورفع هامته، ونصب قامته، وأبصر في قصر الاتحادية رمزا للحرية ومصدرا للعزة والكرامة العربية. ما لا يدركه غالبية المصريين أن قصر الاتحادية بعد سقوط الفرعون صار قبلة للباحثين عن الحرية والكرامة والقيم الإنسانية والعاشقين للعيش بعزة وآنفة في عالمنا العربي. لقد عاش الإنسان العربي سنوات طوال قضاها في غياهب سجون الاستبداد والعبودية والقهر والديكتاتورية، استباحت خلالها فئة قليلة حرماته، وسلبت حريته، وانتهكت كرامته. لم يكن فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة جمهورية مصر العربية شأنا داخليا أو حدثا محليا تناقلته وسائل الإعلام ونشرته الصحف وحسب، بل كان تحولا مفصليا في تاريخ الأمة العربية بأثرها وبمثابة زلزالاً مدمراً ضرب عروش الطغاة، وهز كياناتهم المستقرة ، وأرعب عملاء الغرب منهم القابعين في سدة الحكم لأزمان، وذلك من جهات عدة. أولاً: أن الرئيس محمد مرسي جاء بعد ثورة شعبية عارمة هدمت واحدة من أقوى قلاع الفساد والظلم والاستبداد. ثانياً: أن الرئيس مرسي لم يقفز على كرسي الحكم، ولم تأت به مخابرات عالمية، أو تحمله الدبابات الأميركية لباب القصر، وإنما جاء عبر انتخابات نزيهة كانت مثار إعجاب العالم أجمع. ثالثاً: أن الرئيس مرسي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين التي تمتلك شعبية جارفة في العالم العربي أو لديها خلايا نائمة - كما يحلو للأنظمة الشمولية تسميتها – منتشرة في الدول العربية ودول الخليج خاصة، وذلك يمثل تهديداً مباشراً لكل الحكومات التي عملت على محاربة المشروع الإسلامي باعتبار أن الإخوان المسلمين يتبنون هذا المشروع ويسعون لتحقيقه و التوسع فيه ليمتد لدول إقليمية وأخرى مجاورة. تلك المحاذير الثلاثة أو المحظورات في عالمنا العربي عامة وفي مصر خاصة كانت كفيلة ببقاء من يتكلم في شأنها عشرات السنين خلف القضبان، وأودت بالكثيرين ممن آمنوا بضرورة التخلص منها إلى أعواد المشانق، ودفع الإسلاميون بمختلف ألوانهم ومشاربهم ثمناً باهظاً من أعمارهم وأموالهم في سبيل فك هذا الحصار والفكاك من تلك الطغمة المتجبرة. جرت محاولات كثيرة على مدار أكثر من عامين للالتفاف على الثورة المصرية والانقلاب على مكتسباتها. وظل المواطن العربي طوال هذه الفترة حائراً ومهموماً وخائفًا يترقب ويراقب بتخوف وقلق شديدين. ولا عجب إذا قلنا أن نجاح الثورة المصرية سيؤدي إلى تغيير خارطة المنطقة بأكملها، وسيعيد ترتيب القوى الإقليمية. الأهم من كل ذلك أن تقدم الثورة المصرية نحو الاستقرار وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة يمثل إغراء لكل الشعوب العربية الباحثة عن الحرية والكرامة. لذا توحدت كل قوى الاستعمار والشر خارج مصر يعاونهم في ذلك الخونة والمتآمرون وكارهوا المشروع الإسلامي في الداخل على محاربة الثورة المصرية والعمل على إفشالها بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة ومنها ما يجري لإفشال الرئيس. في البداية راهن أعداء الثورة، ومنهم حكومات عربية وإقليمية إضافة لدول غربية على قيادات عسكرية متنفذة للقيام بانقلاب ناعم يتمثل في تلبية القائمين على الحكم آنذاك لرغبات المصريين في الإصلاح وتخفيف وطأة الأزمات الاقتصادية المتلاحقة لكن لم يتحقق لهم ما خططوا له. فانتقل الأعداء سراعا لإسناد مهمة إفشال مؤسسة الرئاسة إلى بعض رموز الدولة العميقة في مؤسسة القضاء وفشلوا مرة أخرى بعد إزاحة النائب العام السابق. لم يعد أمام هؤلاء بعدها سوى إحداث الفوضى ونشر الخراب والدمار وشل الاقتصاد. ما ترتب عليه قطع الطرق وحرق المؤسسات واقتحام محطات المترو والسكة الحديد، وتابع المهتمون من العرب بحزن بالغ وآسى انتشار الجماعات الإرهابية وتوفير الغطاء السياسي لها من بعض قوى المعارضة. مثلت تلك الوقائع الجسام خطورة كبيرة على مسار الثورة المصرية وامتدت أثارها السلبية إلى المتعاطفين معها والداعمين لها من العرب. لكن كل ذلك لا يقارن بحال باشتعال الفتنة وصدمة الوقيعة والحرب الكلامية والتلاسن بين جناحي التيار الإسلامي في مصر، حزب الحرية والعدالة ومنهم رئيس الدولة من جهة، وحزب النور السلفي صاحب المركز الثاني في الانتخابات البرلمانية السابقة من جهة أخرى، بافتراض أنهما عملياً وواقعياً يقودان سوياً دفة سفينة الثورة حالياً. ساءنا كثيراً التطور السريع في المواقف والتفسيرات المتتابعة لإقالة الدكتور علم الدين من منصبة كمستشار للبيئة في مؤسسة الرئاسة، وصولا لحد التشكيك في رئيس البلاد واتهامه بتلفيق التهم للتغطية على حادثة تعيين نجله في إحدى الوظائف. ذلك ما دفع الدكتور محمد يسري إبراهيم، الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، بسرعة التعليق على حسابه في تويتر قائلاَ: " نرفض التصريحات الطائشة والكلمات الشائهة ضد مؤسسة الرئاسة." كما أنه قد لاحظ القاصي والداني استغلال قنوات محسوبة على الفلول لهذا الحدث وتوظيفه ضد الرئيس وجماعته. ولا أظن أنني قد رأيت في السابق الدكتور جمال علم الدين في أي قناة قبل هذه الفتنة. اللافت للنظر أنه بالتزامن مع تلك الواقعة انفض اعتصام الاتحادية وتوقفت مهاجمة قصر القبة واندثرت قنابل المولوتوف واختفت ظاهرة قطع الطرق واقتحام المترو. عموماً لسنا هنا بصدد الدفاع عن طرف ضد طرف ولا أن نعيد الحديث عن الواقعة غير أننا نشد على يد الطرفين ونذكرهم بحجم التضحيات التي قدمها كل فصيل للوصول إلى هذه اللحظة الفارقة في تاريخ الجماعات الإسلامية. فليتذكر الجميع أن ما هم فيه الآن من نعم الله يجب الحفاظ عليها حتى لا نعض أصابع الندم ونعيد القول ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض ونبكي بدلاً من الدموع دماً. النداء للجميع من إخوان وسلفيين وجماعة إسلامية، إن ربكم واحد ورسولكم واحد ومنهجكم واحد، انتهوا خيرا لكم. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]