أصابنى غم كبير عندما قرأت حكم المحكمة الدستورية الخاص بتعليقها على قانون الانتخابات الجديد الذى كان قد أعده مجلس الشورى، صحيح أن كثيرًا مما تعقبته المحكمة كان صحيحًا، وسبق أن وصلتنا شكاوى من محافظات مختلفة، خاصة فى مسألة تقسيم الدوائر، لأن هناك محافظات ظلمت ظلمًا فادحًا فى عدد المقاعد المخصصة لها، فلا يعقل أن تخصص ثلاثين مقعدًا لمحافظة عدد سكانها اثنين مليون مواطن، بينما تخصص ستة عشر مقعدًا لمحافظة عدد سكانها ثلاثة ملايين مثلاً، ولكن غمى الحقيقى كان بسبب رفض المحكمة للمادة الخامسة من القانون والتى تتعلق بشروط الترشيح، والتى كانت تنص على أن يكون المرشح قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفى منها أو استثنى منها طبقاً للقانون، وقد طلبت المحكمة إلغاء عبارة "استثنى منها طبقا للقانون"، باعتبارها مخالفة للدستور الذى لم ينص على ذلك، وحيث إن المادة (6) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1980 تنص على أن "يستثنى من تطبيق حكم المادة (1) منه - أداء الخدمة العسكرية - الفئات التى تصدر بقواعد وشروط استثنائها قرار من وزير الدفاع طبقاً لمقتضيات المصلحة العامة أو أمن الدولة"، وفى المحصلة فإن هذا الحكم يعنى حرمان آلاف المواطنين الذين غضب عليهم نظام مبارك واستبعدهم من الخدمة العسكرية بناءً على تقارير الجهات الأمنية مثل جهاز أمن الدولة المنحل، حرمانهم من الترشح للانتخابات بجميع أنواعها، وهذا فى الحقيقة ظلم مضاعف، لأنه يعنى أن آلاف الإسلاميين يدفعون ضريبة معارضتهم لنظام مبارك مرتين، مرة فى عصره ومرة أخرى فى عصر الثورة، وأعتقد أن أبناء الجماعة الإسلامية بشكل خاص لهم كامل الحق فى القول بأنهم كانوا يستحقون التعويض من الدولة على الانتهاكات التى تعرضوا لها والأحكام الظالمة التى نالتهم والممارسات الوحشية التى نكلت بأهليهم وذويهم، ولكن بدلاً من ذلك إذا بهم يفاجأون بأنهم "يعاقبون" سياسيًا بحرمانهم من أحد أهم أركان المواطنة والحقوق المدنية، حقهم فى الترشح للانتخابات، لأن نظام مبارك كان غاضبًا عليهم واستبعدهم من الخدمة العسكرية، هذا ظلم حقيقى ويصعب تأويله. لقد اجتهد مجلس الشورى فى تعديل الصياغة بعد حكم المحكمة، لكنه لم يلتزم تمام الالتزام بنص حكم الدستورية، وهو الأمر الذى سيدخلنا فى متاهة جديدة، خاصة بعد صدور قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين، فهل ستتجاوز المحكمة الدستورية عن هذا "الاجتهاد" الذى لم يلتزم بنص حكمها، أم أنها ستقبل الطعون المنتظرة على عدم دستورية قانون الانتخابات، وبالتالى نقيم برلمانًا وننفق على عملية إنشائه ثم ينهار كل شيء ظهر أحد الأيام بحكم جديد للدستورية ويتم الحكم بالإعدام على البرلمان الجديد، كأن لم يكن، ونعيش فراغاً تشريعيًا من جديد، و"دوخينى يا لمونة"، كما يقول العامة، وهل فى هذه الحالة ستبقى الحالة الاستثنائية القائمة الآن بأن يتولى مجلس شورى مؤقت مسؤولية التشريع إلى أجل غير مسمى، وتظل حكومة الأخ قنديل أيضًا إلى حين خراب آخر شركة أو مصنع أو مؤسسة فى مصر، لا أريد أن أتشكك فى خلفيات ما يحدث والتنقيب فى النوايا، لكن فى الأفق رائحة غير مريحة، فهل يسأل عن ذلك المحكمة الدستورية أم يسأل عن تلك الورطة من وضعوا نصوص الدستور ولم ينتبهوا لها، أيضًا لدينا معضلة أخرى أن مجلس الشورى لم يلتزم حرفيًا بحكم الدستورية فى تقسيم الدوائر، لأن الظلم ما زال قائمًا، فما هو المنطق الذى يمنح بموجبه محافظة سوهاج ثلاثين مقعدًا وهى نفس مقاعد الإسكندرية، فى حين أن الثانية تتجاوز الأولى بأكثر من مليون ناخب، وهو ما يفتح بابًا جديدًا للطعن على القانون وعلى البرلمان المقبل أمام الدستورية، ويبدو أن قدر مصر أن تستمر دوامات الفوضى والغموض فيها لسنوات أخرى مقبلة. [email protected]