كان حظي نحسا ، حين كنت مساعد مدرس بالجامعة قبل ثمانين عاما ، فقد تنافست مع زملائي على اقتناص بعثة من البعثات الخارجية التي كانت آنذاك أملا لكل طموح ، وسارت الرياح بما اشتهت سفائن رغباتنا حينا من الدهر، فتم تخصيص البعثات لنا جميعا ، ولكن الحظ ( الدكر ) كان وفيَّا لي ، فقد سافر زملائي إلى فرنسا وألمانيا وانجلترا ، وجاءت بعثتي إلى مدغشقر ..!! وهناك عشت سبع سنوات رأيت فيها مالا عين رأت ، وسمعت ما لا أذن سمعت . كنت أدرس للحصول على الدكتوراة في فلسفة العلوم الأساسية من قسم ( التصنيع الميتافيزيقي ) وهو قسم مستحدث بجامعة (هلاهلله) وهي أعرق جامعة سلفية/ ليبرالية في مدغشقر ، وكان موضوع رسالتي حديثا آنئذ ، وهو [ استنباط سلالات بشرية من جينات شديدة النجاسة من الخنازير الموشكة على الانقراض ] وسأقص في مذكراتي هذه بعض ما عشته هناك من أحداث بإيجاز ، أما تفاصيله – موثَّقة – فسيتضمنها الكتاب الذي أرجو أن يكون متاحا في معرض الكتاب القادم : 1- نائب رئيس الجامعة لشؤون المدام : في فرع جامعة ( يا – محلا- كي- ياما- كا- رونا ) اليابانية في مدغشقر ، استطاع العالم الجليل (1) – وكان أستاذا رقيع الأصل ، وضيع المنشأ – إقناع العالم الجليل (2) وهو رئيس للجامعة أنه يستطيع تقديم خدمات جليلة للسيدة حرم معاليه ، فكان له من ذلك ما أراد ، وتمت ترقيته نائبا لرئيس الجامعة لشؤون المدام . فاستفحل نفوذه بعد ذلك بعد أن صار ذا ظَهر شديد !! 2- في فرع جامعة ( ادّي – ها – تدّيك ) البولندية ، في مدغشقر ، كان العالم الجليل (3) أستاذا مساعدا معارا إلى ساحل (العال ) ، وكان شقيقه قد تم تنصيبه رئيسا لجامعة أخرى فرأى العالم الجليل (3) أن يقطع إعارته ليستفيد من وضع أخيه ، وكان منصب وكيل الكلية لشؤون الطلاب شاغرا ، فعاد العالم الجليل (3) متعجلا ، حيث تمت ترقيته أستاذا بسرعة الوباء ، وظل المنصب الشاغر شاغرا ستة أشهر ، مع وجود اثني عشر أستاذا عاملا بالكلية ، إلى أن تمت إجراءات ترقية العالم الجليل (3) أستاذا ، ثم تم تعيينه في المنصب ( المشغور !!) على ذمة سيادته ستة أشهر ...!! وبعد شهرين من وكالة شؤون الطالب تاقت نفس العالم الجليل (3) إلى وكالة الكلية للدراسات العليا ، فتم نحر وكيل الدراسات في مذبحة المماليك الجدد ، وعُين العالم الجليل (3) وكيلا للدراسات العليا إرضاء لشقيقه رئيس الجامعة الشقيقة ...لأن ( الناس لبعضها ...!!! ) 3- في فرع جامعة ( هأ – هأ – هو ) الجزر قمرية ، في مدغشقر ، كان ابن أخت العالم الجليل (4) معيدا ، وتم ابتعاثه إلى جامعة كولومبيا الأمريكية للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراة ، وفي أثناء ابتعاثه ، أسند للعالم الجليل (4) – خال المبعوث المحظوظ – رياسة اللجنة العليا للبعثات بالوزارة ، فلما تعثر المبعوث المحظوظ ومكث سنوات طوالا منذ حصل على الماجستير ، اجتمعت اللجنة العليا للبعثات بالوزارة برياسة العالم الجليل (4) وقررت ( ... اعتبار درجة الماجستير التي تمنحها جامعة كولومبيا الأمريكية معادلة لدرجة الدكتوراة التي تمنحها جامعة ( هأ – هأ – هو ) الجزر قمرية ، وعلى الحكومة إعادة جميع المبعوثين في الحال ..!! ) وعاد الشاب شاكرا لخاله الحبيب ، حيث عُين مدرسا بالماجستير ، فأستاذا مساعدا ، فأستاذا ، فوكيلا ، فعميدا لكلية - أنشئت في تخصصه أثناء بعثته – فنائبا لرئيس الجامعة ، فرئيسا للجامعة ...!! 4- في جامعة ( سكلانسسيوس ) اليونانية / فرع مدغشقر ، استنسخ العالم الجليل (5) قسما من قسمه ، بحيث تجمع القسمين معا لجنة علمية واحدة هي تلك اللجنة العلمية الدائمة للترقيات التي كان العالم الجليل (5) عضوا بها !!! ، وألحق ابنا له فاشلا بهذا القسم المبتكر ، فحصل الولد – مصادفة !! – على تقدير "ممتاز" في جميع المقررات طوال السنوات الأربع !!!، ماعدا مقررا واحدا حصل فيه على تقدير "جيد جدا " ذات مرة !!! ، فعوتب أستاذ هذا المقرر عتابا مريرا انتهى بإجباره على إلحاق ابنته بهذا القسم المستنسخ حتى تذوق (مرارة) الامتياز .. وبقية القصة معروفة فقد عين المحظوظ معيدا ، وبعد لحظات عين مدرسا مساعدا ، ثم رتبت له بعثة خارجية مفصَّلة ، وتمت مجازاة كل من (آذوه ) بترقيتهم جميعا – في اللجنة العلمية الموقَّرة !!! – بترقيتهم أساتذة وأساتذة مساعدين . !! [email protected]