أعددت حقيبتي ، ومن حولي أولادي يسودهم بعض التوتر والقلق ، وتتنازعهم آمال ملونة حول لحظة المغيب وانتظار اللقاء ، استعد للسفر بعد قليل إلي ماليزيا ، وهذه أول مرة أسافر إلي هذا البلد الإسلامي الذي يعد نموذجا يجمع بين الإسلام والمعاصرة ، وهو نموذج يجمع بين احترام الدين الإسلامي واحترام القوي التي تدعو إلي حكم الشريعة وفي نفس الوقت يضم أقليات متنوعة تشعر بالأمان ويمارسون شعائرهم في حرية واطمئنان ، لذا كان هناك الحديث عن النموذج الماليزي كنموذج يجب أن نلتفت إليه في عالمنا العربي ، فهناك الحزب الإسلامي " باس " وهذا الحزب يسيطر مثلا علي ولاية كلنتان التي توجد بها أقلية صينية تؤيد حكم هذا الحزب ، ونحن بالطبع نعرف ماليزيا بلد القائد الكبير " مهاتير محمد " أو " محاضر محمد " باللغة العربية وهو من أخرج ماليزيا من الفقر إلي الغني ومن الضيق إلي السعة ومن التخلف إلي التقدم ، وقد حكم البلاد من عام 1981 إلي عام 2003 وتقلص في عهد رئاسته للوزراء الفقراء في ماليزيا من أكثر من نصف السكان إلي أقل من خمسة في المئة ، وارتفع متوسط الدخل للمواطنين الماليزيين من حوالي ألف دولار إلي أكثر من ثمانية آلاف دولار ، وأصبحت ماليزيا دولة مصدرة للصناعات المختلفة والسيارات التي تسير في الشوارع الماليزية هي من صنع ماليزيا . غادر " محاضر محمد " الحكم وهو في أوج قوته وكان زعيم الأغلبية في البرلمان الماليزي وتحول إلي أهم شخصية في ماليزيا يعود إليها السياسيون والحكام والأحزاب السياسية المختلفة والحركات الاجتماعية لتستلهم منه الحكمة والمعرفة ، ضرب " مهاتير محمد " نموذجا فذا وغريبا في الزهد وفي النزاهة والاستقامة الأخلاقية ، فهناك متحف له في ماليزيا فيه كل ما حصل عليه من هدايا حتي لو كانت بسيطة ، وحين سأله الناس عن خروجه بإرادته من السلطة والحكم وأبهته قال 22 عاما من السلطة تكفي . ونعرف ايضا هنا في مصر " أنور إبراهيم " وهو أحد شباب الإسلاميين في ماليزيا في الجامعة وهو من مواليد 1947 واستطاع أن يتحالف مع حزب مهاتير محمد الذي فتح الباب واسعا له حتي وصل إلي منصب نائب رئيس الوزراء ووزير المالية بيد إن الخلاف السياسي بينهما وصل إلي مستوي من الاتهامات جعلت " أنور إبراهيم " يدخل السجن بسبب اتهامات بالفساد المالي والإداري والشذوذ وهي تهمة تم تبرئته منه وفي عام 1998 تم نزع جميع مناصبه منه وألقي به في غياهب السجن ورغم التشكيك في الاتهامات الموجهة إلي " أنور إبراهيم " فقد قضي ست سنوا ت في السجن وخرج منه عام 2004 ، ثم عاد ليخوض السياسة من جديد ويؤسس حزبا جديدا هو حزب عدالة الشعب ، وكأنه يريد أن يقول لمن ظلموه إن عدالة الشعب أقوي ودخل حزبه الانتخابات الأخيرة في ماليزيا ليفوز بواحد وثلاثين مقعدا في البرلمان ، وانتهي الحظر السياسي علي " أنور إبراهيم " في العام الماضي في 15 إبريل 2008 وهو قائد الحزب الجديد . بقي أن نقول إن نظام الحكم في ماليزيا هو نظام ملكي برلماني فيدرالي وقد استقلت من الاحتلال البريطاني عام 1957 ثم تأسس اتحادها الفيدرالي عام 1963 ، وهنا علينا أن نري كيف استطعت دولة كماليزيا لم تعرف الاستقلال إلا مؤخرا أن تبني نهضتها وتقدمها ، وتحل مشاكل الأقليات فيها وتحل مشاكل الإسلاميين ودمجهم في السلطة والمجتمع ، وتحل مشكلة الفقر والتخلف وتحقق النهوض والتنمية ، إننا أمام نموذج بحاجة إلي تأمل ودراسة وانتباه . بقي أن أقول إنني مدعو لتقديم ورقة عن الأقليات من منظور مقاصدي في الندوة الدولية عن الأقليات من منظور مقاصد الشريعة الإسلامية وأعد لهذه الندوة الجامعة الإسلامية في ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي السعودية ، ويقوم بجهد مهم في ترسيخ علاقة الإسلام والشريعة بالواقع أساتذة كبار في الجامعة الإسلامية الماليزية أمثال محمد الطاهر الميساوي ومدثر عبد الرحيم وغيرهم ، وهناك أكثر من عشرين عالما مدعو في هذه الندوة من مؤسسات علمية وعالمية متنوعة علي مستوي العالم لحد انني أشعر بالخوف ، إنها المرة ا لأولي التي أذهب فيها إلي ماليزيا ولمثل الخبرة الماليزية تشد الرحال في عالم معقد وصعب .