مقالي يوم أمس بعنوان "مستخرج رسمي"، والذي أشرت فيه إلى "مكاسب" جماعة الإخوان المسلمين من أزمة "العريان مكتب الإرشاد" والتي كان من أبرزها تأكيد ولاء الجماعة ل"الوطن" قبل ما عرف عنها بولائها ل"الأممية" أثار نقاشا على هامش المقال بين السادة القراء، حول مفهوم "الولاء والبراء".. والتحديات التي تواجهه في ظل سيادة مفهوم "المواطنة" مع قيام "الدولة الحديثة" على أنقاض الأمبراطوريات القديمة. هذه المسألة ربما لا تكون مطروحة بقوة في العالم العربي أو الإسلامي، وإنما تظل إلى اليوم هاجسا كبيرا لدى مسلمي الغرب، الذين لا يزالون حيارى بين ما إذا كان انتماؤهم للدولة التي يحملون جنسيتها أم ل"الأممية الإسلامية" بحسب مفهومها الذي كان سائدا كواقع سياسي حتى عام 1923. لقد أبدع الباحثون المسلمون الغربيون ما يسمى "فقة الأقليات" للبحث عن حلول تنهي هذا "القلق الثقافي" الذي يعصف بالجاليات المسلمة في أوروبا .. هذه الوضع يختلف تماما مع ما قصدته بشأن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لدقة وحساسية وضعها الأمني من جهة والبيئة العلمانية المعادية لها من جهة أخرى. يقول المؤرخون إن ظهور الإخوان عام 1928 كان رد فعل على سقوط دولة الخلافة عام 1923، بمعنى أنها أي الجماعة تكتسب شرعيتها من ثباتها على هذه "الأولوية"، وربما كان ظهور فكرة "التنظيم الدولي" قد جاء كأداة حركية تحفظ للفكرة حضورها على الأجندة النضالية للجماعة، غير أن تطورات الأحداث لاحقا، أسفرت عن انتصار فكرة "الدولة الحديثة" على إرث "الجامعة الإسلامية" لأسباب لا تتعلق بالمرة بالإسلام كدين وإنما بالمسلمين كجماعة سياسية.. وبدون الدخول في تفاصيل هذا التحول، فإن التنظيم الدولي بطبيعة الحال أصابه بدوره أزمة "شرعية" بعد ظهور مفهوم المواطنة والاستقلال والسيادة الوطنية ، بل بات "التنظيم" عبئا حقيقيا على الجماعة ومصيدة لتصفيتها في أي وقت بدعوى "التحالف" مع قوى أجنبية ضد مصلحة البلد، لأن التنظيم ظهر كفكرة عام 1981، أي بعد ما يقرب من 60 عاما من سقوط الخلافة، فاعتبر تحديا حقيقيا ل"الدولة الحديثة" وعلى قوانينها التي تجرم الانتماء للتنظيمات الدولية خاصة التي كان لها تاريخ في العسكرة والمواجهات المسلحة مع الداخل.. ولعل ذلك ما حمل توفيق الشهاوي رحمه الله على رفض الفكرة ووصفها بأنها "فكرة قاتلة"، واقترح فكرة بديلة وهي "الهيئة الإسلامية العالمية لحقوق الإنسان " ..وكان محقا في توصيفه، بعدما استخدم "التنظيم الدولي" فيما بعد كأهم "وثيقة" في يد السلطات المحلية لتقديم قيادات الإخوان إلى المحاكم العسكرية. الولاء ل"التنظيمم الدولي" أيا كانت درجته ونسبته ووزنه، ليس فقط عبئا أمنيا قاتلا للجماعة، وإنما هو عبء أخطر على "شرعيتها" باعتبارها "مشروع حكم" بديل ومرجح لنظام الحكم الحالي، إذ لن يطمئن أحد أن تحكمه جماعة سياسية ولاؤها الأساسي للتنظيمات الدولية وليس للداخل. [email protected]