رحل عن عالمنا يوم أمس الخميس السابع والعشرين من رمضان 1430، الموافق السابع عشر من سبتمبر 2009، الداعية المجاهد، والخطيب المفوه، فضيلة الإمام الشيخ محمود عيد، الإمام الأسبق لمسجد السلام بالإسكندرية، والذي وافته المنية بدولة الكويت عن عمر يناهز 98 عاما، قضى معظمها مجاهدا في سبيل الله، وفي سبيل إعلاء كلمة الحق، وداعيا إلى الله بلا كلل ولا ملل. وقد لاقى الشيخ يرحمه الله المعاناه والعنت، بل والاعتقال والسجن والإهانة على يد النظم الحاكمة التي توالت على الحكم في مصر، منذ أن كان شابا أزهريا وداعيا نشطا إلى جانب الشيخ محمد متولي الشعراوي، ثم عضوا نشطا في حزب مصر الفتاه إلى جانب الأستاذ أحمد حسين، ثم إماما وخطيبا على منابر المساجد. وقد ازدادت معاناته بصفة خاصة منذ ثورة يوليو (المباركة)، والتي رفع قادتها وأذنابها سيف الظلم على رقاب هؤلاء الأطهار الداعين إلى الله، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. لقد كان للشيخ يرحمه الله دورا لا ينكره مجتمع مدينة الإسكندرية في إحياء الوعي الديني والسياسي عند العامة في حقبة السبعينيات وإزكاء الحماسة لله وللوطن، وبخاصة منهم الشباب. وقد وقف على المنبر بكلمة الحق والقول السديد لانحرافات الحاكم في تلك الفترة إلى جانب أخيه الأصغر (الأكبر) الشيخ أحمد المحلاوي، إمام مسجد القائد إبراهيم، ومن قبل إلى جانب الشيخ عبد الحميد كشك يرحمه الله، وعندما اشتدت عليه سياط أولي الأمر خرج الشيخ من مصر في أوائل الثمانينيات، ليعمل خطيبا في دولة الكويت والتي لم يتركها حتى قضى فيها. كان يصفه الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي بالشيخ الشاب، لما كان عليه من متانة الجسد على كبر سنه، ويصفه المستشار عثمان حسين بالشيخ المجاهد لما لاقاه من معاناة في سبيل الله. وعندما كبر سنه وتعب جسده التجأ إلى مسجد صغير كان يقضي يومه فيه في تلاوة القرآن ودروس الدين القصيرة بعد كل صلاة، فيما اشتهر عند الإخوة في الكويت بدرس الدقيقتان حيث كان يستدير الشيخ بعد كل صلاة بوجهه إلى الناس ويقول "أيها الإخوة...دقيقتان من فضلكم" ويلقي كلمته، وغالبا ما كانت قيمة ما يقوله في الدقيقتين أثمن وأغلى وأبلغ مما يقوله آخرون في ساعات. فقد كان يحب رسول الله ويحب حديث رسول الله ويحب أن يجول في آيات القرآن في هاتين الدقيقتين. وكان يشرف على ندوات دينية تعقد في هذا المسجد الصغير يتحدث فيها شيوخ وعلماء ومستشارين، وكان دائما ما يرجو من الله أن توافيه المنية في المسجد، وإن لم يكن يعلنها لأحد، إلا أنه كان لا يترك المسجد حتى يعود إليه، فكان من كثرة مكوثه في المسجد يختم قراءة كتاب الله كاملا بين صلاة الفجر وصلاة المغرب، فكان يختم القرآن مرة في كل نهار على الأقل. وكان رحمه الله يحب يوم الجمعة لما له من فضل على باقي الأيام، وها قد أكرمه الله بوفاته يوم الخميس السابع والعشرين من رمضان والصلاة عليه ودفنه في يوم جمعه، فكانت له هدية من الله. وبدفنه في أرض الكويت يكون الشيخ قد لحق بكثيرمن إخوانه الدعاة الذين دفنوا في ثرى الكويت، ومنهم الفقيه الداعية الشيخ سيد محمد نوح، والمستشار الدكتور سالم البهنساوي، والشيخ بدر المتولي حسين وآخرين. فهنيئا لدولة الكويت أن يحتضن ترابها أجساد هؤلاء الأطهار عسى الله أن يحفظ أرضها من كل سوء وأن يرزق مصر بمن يسير على درب هؤلاء العلماء ممن لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يتقاعصون عن قول كلمة حق عند سلطان جائر. لقد قضى الشيخ رحمه الله عمره المديد في طاعة الله، فاللهم ارحم الشيخ محمود عيد، وتقبل منه صالح عمله، وأسكنه فسيح جناتك، وجازه عنا وعن أمة الإسلام كل خير، آمين. [email protected]