قال بعض الشعراء : جزى الله عنا الموت خير جزائه *** أبر بنا من كل بر وأرأف وأقول : جزى الله عنا الشدائد كل خير *** وصلا ببعيد الرحم والقريب تآلف إنا لله وإنا إليه راجعون ، فقد فجعنا فى عزيز غال على أمتنا الإسلامية جميعا . شيعت مصر اثنين من كبار الكتاب و المغكرين هما المفكر الكبير الدكتور مصطفي محمود الذي توفي عن عمر يناهز(88 عاما) بعد مقاساة المرض طويلا. وبعد 88عاما أيضا من العطاء ومعاناة المرض توفي صباح اليوم السبت وزير الحربية الأسبق ورئيس جهاز المخابرات المصرية الكاتب والمفكر أمين هويدي ..! وكأن الموت يمر بمرحلة جديدة ، فهل بدأ العد التنازلي للمعمرين ؟! تلك مسألة ليس الآن مجالها .. ! إن فاجعتنا فى الأحباب تعصر القلب حزنا وآلاما .. ومع أننى لا أعرف الأستاذ والمفكر الكبير أمين هويدى عن قرب إلا من خلال أخبار مهامة الوطنية الجسام فى عصر عبد الناصر ، بل معرفتنا به مؤخرا كانت من خلال كتاباته البسيطة والعميقة التى تهدف لصالح الوطن والمواطن والأمة العربية جمعاء. أما الدكتور مصطفى محمود فقد كانت لنا علاقات معه تكاد تكون شبه مباشرة بسبب صداقته لأستاذنا الدكتور حسن الشرقاوى وتوافقهما فى الأفكار والأهداف والمبادئ والغايات . لقد فقدنا عالما محترما من علماء عصرنا الذهبي فى الفترة الثقافية التى عاصرناها منذ الخمسينيات وحتى وقت قريب قبل أن نبتلى بمثقفى الحظيرة الفاشلة . وقد صدق الأستاذ أنيس منصور فى وصفه للدكتور مصطفى محمود بأبى حيان التوحيدى.. فيلسوف الأدباء .. وأديب الفلاسفة .. ! لقد تمنينا نحن تلامذة الدكتور حسن الشرقاوى قبل رحيلة أن نلتقى بصديقه الدكتور مصطفى محمود عنده فى العاجمى بالإسكندرية ، وفعلا كلمه الدكتور حسن تليفونيا أمامى قبل وصول المحمول مصر ، ولكن – اعتذر الدكتور مصطفى بحجة الباعوض الذى يهاجم العجمى فى الصيف ، فأكد له الدكتور حسن أنه تغلب على هذه المشكلة بشبكة من السلك لا تسمح للباعوض من النفاذ داخل حديقة الفيلا ، وباءت الحجج بالفشل . لقد كان الدكتور حسن والدكتور مصطفى وثالثهم الشيخ محمد متولى الشعراوى أول من شجعوا وساهموا فى مشروع بريونى لملابس المحجبات بالإسكندرية ، وقد استغل صاحب المشروع ذلك جيدا فى إعلاناته وبخاصة بالاسم الكبير والصورة الكبيرة للشيخ الشعراوى التى كانت تتصدر فاترينات العرض .. ! ورحل الدكتور حسن الشرقاوى بعد حبيبه وحبيبنا الكبير الإمام الفاضل والعالم الرباني شيخ الأزهر الدكتور /عبد الحليم محمود ، ثم رحل الشيخ الإمام محمد متولى الشعراوى الذى علم العالم كيف يتذوق ويفهم كلام رب العالمين فى لغة سهلة وميسرة لم يسبق إليها ، وهاهو فيلسوف الأدباء .. وأديب الفلاسفة ... الدكتور مصطفى محمود يرحل عن عالمنا بعد أن قاسى مرارة المرض لسنين طويلة لم نشعر بها إلا بعد أن انقطعت كتاباته بعد كتاب ( الشفاعة ) الذى اتهمه المرتزقة بسببه أنه أنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم . اتهام باطل ، والكتاب فى نسخته الأولى بين أيدينا ، ولكن – ما الحيلة فى تجار الثقافة وحظيرتها الفاسدة ، فقد جعلوها سبوبة يتقوتون السحت عليها. والحق الذى نميل إليه أن المرحوم أراد أن يوصد باب الدجل ويسد طريق النصب واللعب على مشاعر وعواطف المتدنيين أمام كل الدجالين والكهنة من أهل الشرك وأحبار اليهود الدجاجلة وقساوسة النصارى ممن احتكروا الجنة وأقطعوها أتباعهم مثلهم فى ذلك مثل محمد على باشا وحكام الأنظمة الفاسدة ، وكذلك قفل الباب فى وجه مشايخ الطرق المحسوبة زورا على التصوف والصوفية والجماعات الضالة المضلة . لقد هممت أن أزور الفقيد قبل انتقاله إلى المستشفى بعد تدهور صحته ، ولكن – دخل علينا شهر رمضان المعظم بنفحات ربانية متتالية ، فقد بشرت بمولد حفيدتى فاطمة ، فهي رقم 9 بين أحفادى أحمد أس 2 وعبد الله ومريم ومحمود ويوسف ورقية ومحمد .. وكانت فرحتنا كبيرة بالمولودة الجديدة لأنها أتت ومعها بعض الإنجازات الجميلة ، ولكن – ما لبثت أمها أن أجريت لها جراحة استأصال ورم ظهر بعد الولادة لم يكن متوقعا بهذا الحجم حمدنا الله تعالى بأنه ورم حميد ، فما لبثت أن تعافت وشفيت منه تماما . وجاء يوم السابع عشر من شهر رمضان بخبر وفاة أختى الحاجة نبيهه ، فقد نقلت إلى المستشفى لبتر أحد اصبع قدمها الخنصر ، فرحمها الله تعالى أن رزقها نعمة الموت التى نكره جميعا تجرعة رغم أنه لا مفر منه ، فقد كتبه الله سبحانه وتعالى على كل الخلائق من أعلى عليين إلى أسفل سافلين ، وكما قلت يوما وأنا صغير فى نعي والد أحد أصدقائى : حتى الموت يموت .. وذلك فى قصيدة لم أحتفظ بها ، فقد تركوا كل ما بالقصيدة من مآثر الرجل ، وتندروا علي ومعهم صديقى ابن المتوفى على تلك الكلمات ، حتى تبين لهم أنها حقيقة أخروية أفصحت عنها الأحاديث المطهرة ، وهو ما كنت أجهلة من قبل ! ثم شاء الله سبحانه وتعالى أن يخفف عنى ما أنا فيه ، فشغلت بوعكة خفيفة أصرت زوجتى الكريمة / الحاجة ألطاف أن تستدعى أخوها الدكتور / حمدى الذى طلب منى أن أعمل تحليلات وأشعة تلفزيونية كشفت عن وجود حصوة ليست صغيرة ( 3.3 ) سم فى الحالب ، لدرجة أن أخصائى الأشعة دهش وسألنى : ألم تشعر بألم بجنبك الأيمن أبدا ؟ فقلت له : أبدا .. قال : لقد استغرقت سنين لتنزل من أعلى من الكلى إلى الحالب .. وأجريت لي الجراحة والحمد لله رب العالمين ، فها أنا أتماثل للشفاء . ولكن – ما أدهشنى أن للمرض وللشدائد - ورغم الآلام والمعاناة - إلا أن ما يصاحبه من رحمة ونعمة لا يقاس بجنبه ، فيكفى أنه علة لصلة الرحم ، فالشدائد تقرب بين الأقرباء وتنقى السرائر من الشحناء والغلو فى الخصومة على أتفه الأسباب ، فتجد الجميع عند المريض وفى زيارته فى وئام تام لا يحسنون إلا الطيب من القول ، فلم يعد هناك قريب أو بعيد إلا وقد اجتمعوا فى عيادة الطبيب وقت الجراحة وبعدها ، أو بالمنزل بعدها متمنين السلامة والعافية ومشجعين يرجون من الله سبحانه وتعالى لنا الشفاء . أما ما يستشعره المريض من معان القرب من ربه سبحانه وتعالى فذاك أمر آخر ، فهو يصلى لأول مرة على أى وضع وفى أى هيئة ، فقط أن يكون متوجها جهة القبلة . ( وعلى الله قصد السبيل )