بعد أخذ ورد، وهل نجتمع أم لا، وإذا اجتمعنا، هل نجتمع في ساحة مفتوحة خوفا من الوباء أم في مكان مغلق لضمان السيطرة الأمنية، وهل ننتظر اللقاح حتى نطعم الحضور أم نتوكل على الله وزي ما تيجي، حسم رجالات الحزب الوطني الديمقراطني الحاكم في مصر أمرهم وعلى مدى ثلاثة ايام متتالية التأم شملهم.. وأخذ رجالات الحزب وكبرائه يعددون انجازاتهم ويرصدون تجلياتهم ويفاخرون بصولاتهم وجولاتهم، يذكرون الشعب بأن الحزب هو صاحب الفضل فيما وصلت إليه مصر، ويؤكدون أن الحزب باق ومستمر، ومنتصر على أعدائه وعلى كل من تسول له نفسه بأن يدعي "كذبا وبغيا وكراهية" أن الحزب "غير وطني" و"غير ديمقراطي".. وبنبرة جادة وحادة، دافع السيد أمين السياسات عن الحزب، منوها إلى أن هناك اتجاها يستغل الصحافة والإعلام لتشويه صورة وإنجازات الحزب وبث الكراهية له بين أرجاء الرأي العام المصري.. لكنها بالطبع محاولات لن تفلح، وسيتم التصدي لها، خاتما تصريحاته بجملة حاسمة مفادها أن الحزب هو سيد المرحلة، وأنه الفائز في الانتخابات التشريعية العام القادم 2010، ثم الرئاسية في العام الذي يليه 2011. ولمحة من تواضع، اعترف كبراء الحزب، أو كبيرهم، بأن الخير الذي عم مصر والمصريين في عهد الحزب الميمون وبفضل السياسة الحكيمة لرعاته الرسميين، لم يشعر به الجميع، فما يربو على الربع قرن، لم تكن كافية لأن يشعر شعب مصر المحروسة المتراكم فوق بعضه على رقعة بسيطة من مساحة مصر الكلية، لم تكن كافية لأن يرى ويسمع ويلمس كل المصريين ما قد جرى لهم وفيهم من "خير" ساقه إليهم الحزب وسياساته الناجحة في تطوير عيشتهم و"الدفع" بهم إلى الأمام.. بل إلى أبعد من ذلك. والمتابع لمؤتمر الحزب الوطني سوف يكتشف فعلا أن الشعب المصري لا يعاني أي أزمات "حقيقية" لا في التعليم ولا الإسكان أو العمل أو الصحة أو المرور أو المواصلات أو الغلاء أو الزواج.. أو حتى الضمير والأخلاق.. ليس لدينا أوبئة متوطنة، ولا نعاني من مشاكل في المياه وصلت إلى حد شرب المجاري، مصحوبة بعودة الأمراض التي انتهى ذكرها من العالم!! ويبدو أن هذا الاتجاه "المغرض" الذي يريد تشويه صورة الحزب الوطني وانجازاته العظيمة، قد تواطأ مع العديد من الجهات الدولية الرسمية التي تحدثت عن مصر وأحوال المصريين، ورصدتها ثم وثقتها في دراسات وبحوث وتحليلات أجريت بناء على واقع الحياة داخل المجتمع المصري، و"تطوراتها" الصادمة في العهد المبارك الميمون. لن أتحدث عن تقرير الشفافية الدولية الذي يرصد نسب الفساد في دول العالم، والتي تحتفظ مصر لنفسها بمرتبة متقدمة على قائمته على مدى عدد معتبر من السنين، آخر تقرير صدر عن المظمة 2009 جاء فيه أن مصر تصدرت قائمة الفساد عربيا، يعني حصلنا على المركز الأول، أما على المستوى العالمي على نفس المؤشر فقد حصدت مصر الترتيب 115 من بين 180 دولة شملتهم القائمة، وياله من إنجاز!! هذا رغم المعلومات والبيانات التي تصدرها الحكومة المصرية عن المتابعات المستمرة للفساد وعرقلة انهيار منظومة الأخلاق والقيم الاجتماعية في البلد!! ولن أتحدث عن مستوى التعليم في مصر، وكيف أن أخر تقرير لترتيب الجامعات على مستوى العالم والصادر منذ عدة أيام قلائل لم يتضمن جامعة مصرية واحدة أو حتى معهد دراسي يتيم، من أصل 509 جامعة ومؤسسة تعليمية شملتها القائمة على مستوى العالم!! ولن أجرؤ بالطبع على الحديث عن مستوى المعيشة في مصر ونسب الفقر...فأحدث تقارير سواء تلك التي صدرت عن عن البنك الدولي أم تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأممالمتحدة هذا العام عن مستوى الفقر في العالم، جاء فيها أن ما يزيد عن 40% من المصريين (أي أكثر من 32 مليون مصري) يعيشون تحت خط الفقر داخل مصر المحروسة، منهم حوالي 15 مليونا يسكنون العشش والمقابر ومآوي تحت مستوى الأرض (بير السلم والبدروم). وخط الفقر هذا يقدر وفق معيار الأممالمتحدة بحوالي دولارين يوميا للفرد، لكن جهات دولية أخرى تقدره بدولار واحد في اليوم، مما يرفع النسبة المذكورة إلى رقم فاضح. ولماذ نذهب بعيدا؟ أما سمعنا ورأينا بأم أعيننا أن من بين المصريين من بدأوا في بيع أعضائهم الجسدية من أجل توفير مستلزمات الحياة؟؟ هل نسينا فضائح بيع الأعضاء المتوالية التي كشفتها الصحافة المحلية "المتواطئة" خلال هذا العام؟؟ أما قرأنا وسمعنا وشاهدنا أن بعض الأسر المصرية لجأت إلى بيع أحد أبنائها فلذات أكبادها من اجل الحصول على مبلغ من المال يصرفون منه على باقي الأسرة!! أما قرأنا وشاهدنا مستوى بشاعة الجرائم التي انتشرت في المجتمع المصري والتي أصبح فيها القتل هو الخيار الأول والسبب هو عدة جنيهات مصرية تقل في كثير من الأحيان عما يوازي عشرة دولارات!!! ويبدو أن الإنجازات الطاغية للحزب الوطني وانعكاسها على عيشة المصريين، قد أوصلت بعضهم إلى حد الذهول والتصرف بغرابة، قام على إثرها حوالي عشرة آلاف وستمائة وتسعة وسبعين مصريا داخل حدود محافظة القاهرة فقط بالتخلص من حياتهم بالانتحار، وهذا الرقم هو إجمالي عدد الذين وصلوا مركز السموم بجامعة عين شمس العام الماضي، هذا الرقم الذي سعت وراءه ونشرته صحيفة شيكاغو تريبيون الأمريكية مضيفة أن أرقام المنتحرين المصريين في تزايد مستمر كل عام عن الذي قبله!! أما آخر ما خرجت به علينا حكومة الحزب الوطني من إنجاز يفوق التصور، وإن كان ترتيبه منطقيا في سلسلة تطور حياة المواطن المصري في ظل الحكم الرشيد، فهي ما نشرته الصحف المصرية وغيرها من موافقة وزيرة القوى العاملة في حكومة الحزب الوطني "الحكيم" على تسفير خمسمائة فتاة مصرية ذات مؤهلات جامعية وأقل للعمل كخادمات في دولة الكويت الشقيقة!! فمالكم لا تؤمنون بأنجازات الحزب!! أيها الشعب المفتري .. الناكر للجميل!!!!! صحفي وكاتب مصري شبكة الجزيرة الفضائية