خرج ( عوض ) من الحمام وهو يتحدث لفوزية عن رحلته إلي المغرب في مرح ومودة ومازالت المنشفة في يده يجفف بها وجهه وشعره ، حين فاجأه صوتها الذي أنكره يقول ( من هي بثينة يا عوض؟) أزاح المنشفة جانبا وتطلع إليها مشدوها متعجبا كيف عرفت ؟ ازداد ذهوله وهويتأمل وجهها ،كان يشبهها دائما بالقطة في نعومتها وجمالها ، والآن هي تشبه القطة أيضا ولكن حين تموء وتكشر عن أنيابها وتقوس ظهرها وينتفش شعرها تمهيدا للهجوم . قال بسرعة ( قولي أنت من هي ؟ ) قالت بصوت مذبوح ( لابد أنها زوجتك ) كانت تمسك بيدها تذاكر الطيران المسجل فيها اسميهما والتي نسيها في جيبه، لم يعد هناك مفرا من الاعتراف ، قال وهو يحاول أن يمسك بكتفيها وهي تبعد يديه عنها ( ليس بالضبط ليس لي زوجة سواك ) نظرت إليه بعيني نمر جريح ، تفادي عينيها وقال ( أنت الزوجة والحبيبة وأم الأولاد ، أنت ابنة خالتي وحلمي الجميل الذي تحقق ، أما الأخري فهي شئ ثانوي في حياتي ، يمكنك القول أنها لا شئ بالمرة ، ربما جزءا من عملي ووجودي في القاهرة ولكن لا زوجة وحبيبة سواك ) الغريب أنه كان صادقا تماما في تعبيره عن نفسه في تلك اللحظة ، من قال أن للصدق وجها واحدا وخاصة في المشاعر ، في تلك اللحظة كانت هناك أمواجا عاتية قد أزاحت بثينة عن تفكيره ، وكما صارت الرحلة مجرد ذكري خابية وأياما انقضت كانت بثينة أيضا ، كأنها مجرد جزء من الرحلة مثل الجبال والأسواق والوجوه العابرة ، هو الآن في حضرة ( فوزية ) ويشعر بعمق روابطه بها ولا يريد أن يخسرها أو يحزنها أبدا ولكنه لا يعرف ماذا يفعل ؟ دخلت الدكتورة دعاء ابنته وكأنها طوق النجاة ، أخذ يرحب بها ويسألها عن أخبارها بشكل أثار دهشة الفتاة وأسعدها في الوقت نفسه ، وسألته الفتاة ( هل أخبرتك أمي ؟ ) نظر لأمها التي جلست كتمثال وقال ( ليت أمك تقول لي شيئا ) قالت فوزية ( دعاء تقدم لها عريس ، طبيب زميلها ويريد مقابلتك ) تغير ميزان القوي في البيت بشكل مفاجئ ، تخلي ( عوض ) عن صلفه المعهود وكان يتودد لأفراد أسرته بشكل لم يعرفوه من قبل ، كان يحاول المستحيل لإرضاء ( فوزية ) وتحقيق مطالبها ، بينما كانت هي متحفظة صامتة منسحبة دائما ، وقد ركزت كل جهودها في زواج ابنتها ، وقد ساعد هذا التغير في تسارع خطوات الزواج بغير اعتراضات أو شروط تعجيزية من ( عوض ) ولمدة شهرين لم يغادر ( عوض ) البلد ولم يقابل ( بثينة ) كان بينهما فقط مهاتفات علي فترات متباعدة ، لأنها فوجئت حين عودتها بمرض ابنها الصغير وانشغلت تماما في العناية به وانشغلت أيضا في عملها وفي ترميم حياتها التي كادت تتصدع لتفرغها لزوجها في الفترة الأخيرة . كان صمت ( فوزية ) أشد ما يؤلم ( عوض ) ويحيره ، أما ما كان يحيرها هي فكانت عودته لمعاملتها بنفس الحب واللهفة التي عرفتها منه في الفترة الأولي من زواجهما والتي افتقدتها منذ زمن طويل ، كانت تنتظر إتمام زواج ابنتها علي خير لتواجه زوجها وتصفي حسابها معه ، وكان هو مستعدا لإرضاءها بأية وسيلة فيما عدا أن تطلب منه طلاق ( بثينة ) بعد زواج ( دعاء ) حانت المواجهه المنتظرة وبدأت القطة في خربشة الوجه الذي أحبته وأحبها واعتقدت دائما أنهما معا وجهان لعملة واحدة أو إصبعين في كف يتباعدان يتقاربان ولاينفصلان أبدا، حياتها معه وفي بيته ومع أولادهما هي كل كيانها حتي أنها نسيت تماما ماقبل ذلك ولم يعد يعنيها ما عداه ، آمالها وأحلامها وعمرها معه ، فكيف يأتي بغريم لها ؟ وما هي صورة حياتها الزوجية معه بعد ذلك ؟ حياتها التي لم تعد زوجية بل صارت ثلاثية زوجتان ورجل واحد ، صارت حياة مزدحمة وليس لها مفردات معروفة بالنسبة لها ولهذا غاب شعورها السابق بالأمان . جاءت المواجهه عاصفة عاتية وجارحة لكليهما ، أعلنها ( عوض ) أنه لم يخالف شرع الله وأنه استخدم حقا من حقوقه وأن عليها أن ترضي وتتكيف لأنه لن يظلمها ولن يظلم الأخري أيضا ويتركها بغير سبب وبعد المشاجرة وتبادل الاتهامات حدثت القطيعة بينهما .
جلس عوض تحت ظلال شجرة الورد أمام منزله في جوف الليل وحيدا ساهما ، مر به ( جمال عمر ) صديق الطفولة وزميل الدراسة رجاه عوض أن يظل معه قليلا ، تعجب الصديق لأنه ممن تباعد عنهم عوض في السنوات الأخيرة ، طالت الجلسة حتي اقتراب الفجر ، وتواصل حبل الود المنقطع بينهما وبعد تبادل الأخبار والسؤال عن الأحوال والمجاملات والقفشات حان وقت البوح ، حكي ( عوض ) بصراحة أدهشته هو نفسه وأخرجت مكنون صدره كل ما يخص مشكلته مع زوجته ، رد جمال ( أنا لا أعرف كثيرا في أمور الحريم ، كما تعرف منذ تزوجت ابنة عمي لم أفكر في أخري ، ربما لأن الحالة المادية محدودة أو بسبب مشكلات الحياة اليومية التي تجعلنا ندور في ساقية مطالب لا نهاية لها ، أصارحك أنني لم أشعر يوما بحاجتي الملحة لزوجة ثانية وإن كان هذا الخاطر يزورني أحيانا أشبه بأحلام اليقظة مثل حلم امتلاك فيلا وسيارة وأموال في البنوك ، يحتاج الرجل تجديدا لشبابه إذا كان قادرا ولا أجد فيما فعلته بأس وربما أحسدك عليه يا صديقي ) رد عوض ( لا تأخذ الأمور بهذه السطحية ، أنا أواجه مشكلة حقيقية ، يؤلمني فعلا حزن ( فوزية ) واكتئابها ) قال جمال ( ما دمت تحبها ولا تريد إغضابها يمكنك حل المشكلة جذريا ) قال عوض في هلع ( أترك بثينة ؟ مستحيل ، إنها زوجتي ولا يمكن أن أغدر بها بلا ذنب ، لا تفهم النساء نفسية الرجل ولذلك أكلمك أنت لتفهمني وتدلني كيف أرضي ( فوزية ) وأقنعها بقبول الأمر الواقع ) قال جمال ضاحكا ( أحب اتنين سوا ... الميه والهوا .. ياهنايا في حبهم ) قال عوض ( أخطأت بحديثي مع مهرج مثلك ، نعم أحب اتنين سوا ، أليست لك أختان وتحبهما معا ، من قال أن القلب لايتسع إلا لواحدة ؟ ميراث الأفلام العربي الساذجة والروايات الرومنسية الخيالية أفسد نفوس البنات ، جعل كل واحدة تعتقد أنها يجب أن تعيش قصة حب مدوية مثل قيس وليلي أو روميووجولييت ، يذوب المحبوب في عشقها ولا ينام الليل وغير ذلك من تفاهات المراهقة ) قال جمال بمزيد من الضحك ( لوكان روميو تزوج جولييت لجرجرته في المحاكم ولو تزوج قيسا من ليلي لهجر الشعر للأبد ) قال عوض ( ربما لو لم أكن متزوجا لصرفت نظر عن الفكرة ولكن بعد أن صارت أمرا واقعا اختلف الأمر ، الأخري ما ذنبها ؟ وهي لا تشكل تهديدا من أي نوع لعلاقتي بفوزية بل إنها حتي لا تعرفها ، الأخري هي زوجتي أشعر بانتمائها لي ومسئوليتي تجاهها وأحبها أيضا ، ليس مثل فوزية وإنما بشكل آخر ، مشاعر الحب لا تتكرر حتي تجاه أولادك لكل منهم معزة خاصة ، ربما تتعجب لو قلت لك الآن زاد حبي لفوزية وحرصي عليها ) قال جمال ساخرا ( قلبك كبير يا صديقي !) قال عوض كأنه يناجي نفسه ( عندما أكون في حضرة بثينة أنسي فوزية والعكس صحيح ، وأنت هل تتذكر أصدقاءك وأنت مع والديك ؟ للإنسان أحوال وأطوار ووجوه عديدة ،وبداخله تتعارك عدة شخصيات من بينها المحب الوفي والرجل الصياد ، المهم ألا يخالف شرعا أو عرفا أليس كذلك ؟ كما أنني رجل ولي إرادتي الخاصة ولن أسمح لفوزية أن تأمرني وتنهاني وإلا سأفقد رجولتي وقوامتي للأبد ، الزواج الثاني حق من حقوقي وأنا الوحيد صاحب القرار بشأنه ) علي ضفاف نهر الحب سار الثلاثة ، كل منهم يجدف في اتجاه ما يريد ، فوزية تريد زوجها أبو أولادها واستقرار أسرتها واستعادة أمانها المفقود ، وبثينة تتمسك بحقها في زواج قد يكون غير تقليدي ولكنه يناسب ظروفها ، وعوض يريد الاثنتين معا ، والله وحده يعلم علي أي بر ستستقر السفينة . [email protected]