كنت ولا أزال أسجل اختلافي الفكري والسياسي مع العديد من أطروحات حركة طالبان منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي وحتى اليوم (2009)، إلا أن الأمانة والعدل يفرضان علىَّ وعلى غيري من الباحثين والمراقبين أن يسجلا احترامهما وانحيازهما الكاملين، لجهاد هذه الحركة ورجالها الشرفاء في مقاتلة شيطان الكرة الأرضية، وسيد شرورها الأكبر والأول: الولاياتالمتحدة، بل وانتصارها الحتمي بإذن الله عليه، ولعل هذا الاعتراف النادر لكل من وزيري الدفاع والخارجية الأمريكية (روبرت جيتس) و(هيلاري كلنتون) عبر المقابلة المشتركة في جامعة جورج واشنطن وبثتها شبكة (CNN) يوم الثلاثاء 6/10/2009، والتي اعترفا فيها بالفشل الذريع للقوات الأمريكيةالمحتلة أما المقاومة المسلحة المنظمة لحركة طالبان، ما يؤكد هذه الهزيمة للشيطان في بلاد الأفغان!. إن الملحمة التي تجري فصولها منذ أكثر من ثماني سنوات في أفغانستان، تتطلب منا قدراً من التأمل والانتباه، نسجله في الملاحظات التالية: أولاً: بكل وقاحة ترجع الإدارة الأمريكية وفي مقدمتها الرئيس الأمريكي (أوباما) (وهو الوجه العنصري الأسود والمعدل لجورج بوش) الذي انبهر به بعض العملاء والكثير من السذج في بلادنا، السبب في هزيمة أمريكا في أفغانستان إلى أن بوش قد أهملها على حساب القتل الواسع في العراق، ولا يحاول السيد أوباما أن يرجع ذلك إلى أن قانون التاريخ يقول أن الاحتلال لأراضي الغير وانتهاك حرماته، هو السبب الأول في ثورة الشعوب ومقاومتها الباسلة، هذا المنطق المعوج يقول به أيضاً وزير الدفاع الأمريكي (جيتس) الذي أكد في مقابلة (جامعة جورج واشنطن) سالفة الذكر، على أن استراتيجية الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في إرسال المزيد من القوات إلى العراق وإهمال أفغانستان من قبل (التحالف) أدى إلى تعزيز قوة حركة طالبان وأكسبها زخماً عسكرياً وقال: "طالبان الآن تتمتع بزخم بسبب عجزنا وعجز حلفائنا عن نشر قوات كافية في أفغانستان"، ومضى الوزير الأمريكي يقول: "إن أفغانستان وخاصة الحدود مع باكستان أصبحت مركزاً جديداً للمجاهدين، وهم يعتقدون الآن أن لديهم الفرصة للتغلب على قوة عظمى ثانية (بعد الاتحاد السوفيتي السابق) الأمر الذي سيزيد من قوة أفكارهم وفرصهم لتجنيد أعضاء جدد"، ثم أكد وبوقاحة أمريكية معتادة من كل محتل مجرم: "الأهم من وجهة نظري هو الرسالة التي يرسلها (الانسحاب الأمريكي) والتي تعزز من قوة تنظيم القاعدة .. فكرة أنهم أعادوا تنظيم صفوفهم من جديد بعد هزيمتهم في عام 2002 لتحدي ليس فقط الولاياتالمتحدة وإنما حلف شمال الأطلسي أمر يعزز من رسالتهم بشكل كبير إذا نجحوا في ذلك"، هذه الوقاحة الأمريكية في إرجاع أسباب الفشل إلى غياب الردع والقوة، هي ذاتها منطق كل المجرمين عبر التاريخ، وهي ذاتها السبب الرئيسي للفشل وهي تحتاج بالمقابل إلى فضح ومواجهة دائمة. ثانياً: قبل أيام أيضاً كان قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، الجنرال ستانلي ماكريستل، قد اعتبر أن الوضع العسكري في البلاد (لم يتحسن) خلال الفترة الماضية، مضيفاً أن الخسائر البشرية التي تعانيها القوات الأمريكية جراء العبوات الناسفة التي تزرع على جوانب الطرق ارتفعت في الفترة الماضية بنسبة 400 في المائة، وكان ذات الجنرال قد دعا إلى ضرورة إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان خلال السنة المقبلة، وإلا وفقاً لقوله ولمنطقه المعوج أن الحرب التي بدأت قبل ثمانية أعوام سيكون مصيرها الفشل، وشدد في وثيقة تم تسريبها وحصلت عليها صحيفة (واشنطن بوست) على أن الفشل في أخذ زمام المبادرة، باتجاه من أسماهم المتمردين (الطالبان) سيؤدي إلى عدم القدرة على هزيمتهم. وبعد ذلك دعى الرئيس الأمريكي إلى إرسال ما يقرب من 40 ألف جندي آخر إلى القوات الأمريكية في أفغانستان من أجل هزيمة مجاهدي طالبان، هذا المنطق المعوج، هو أصل البلاء والدمار الدائم لواشنطن وعملائها في هذا الجزء الثائر من العالم الإسلامي، وبدلاً من إدراك المحتل، أن احتلاله هو سبب هزيمته، وأن خروجه وانسحابه من أراضي ليست له، هو الحل (الوحيد) لإيقاف الهزيمة وعمليات القتل المستمرة لجنوده، نجده يكابر ويغالط، ويعالج الخطيئة بمزيد من الخطايا!. ثالثاً: أعتقد جازماً، ورغم أي خلاف فكري أو سياسي مع حركة طالبان، أن ما تقوم به من مقاتلة وجهاد لهذا الاحتلال ولعملاءه (كرازي ومن لف لفه) هو أنبل فعل إنساني لشعب مسلم في وقتنا الحالي، وهو يأتي متساوي مع جهاد حركات المقاومة في فلسطين والعراق، إنهم في هذا الفعل الإنساني النبيل ينوبون عن الأمة كلها، وتستحق تلك المقاومة التحية والاحترام الواجبين وهي تدفعنا إلى ضرورة الإدراك بأن التناقض الرئيسي الآن ينبغي أن يكون مع العدو الأمريكي/ الإسرائيلي، وأنه هو سبب البلاء، والفرقة والصراعات المذهبية والسياسية، ومن العار على نخبتنا الإعلامية والسياسية االتفات إلى غيره، إن ما تقوم قوات الاحتلال لحلف الأطلسي بقيادة (واشنطن) في أفغانستان، هو عنوان الشر الأول الذي ينبغي أن توجه إليه الجهود لوأده، إنه جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، وهؤلاء الحفاة الشرفاء الذين يقاومونه بأبسط الأسلحة وبالإيمان والثقة في نصر الله، هم في ظني وليس كل الظن إثم هم الأكثر صواباً وصدقاً وشرفاً من تلك النخبة المتصهينة (المطبعة) التي تزكي وتضخم الخلافات الصغيرة والفرعية مع حركة طالبان والمقاومات العربية والإسلامية الأخرى دون النظر إلى الخلاف الرئيسي الأهم والأكبر مع الشيطان الأمريكي، المحتل والمجرم. تحية للمقاومين في أفغانستان،وكل ارض عربية اواسلامية محتلة ودعاء لهم بالنصر المبين وهو آت ولا ريب بإذن الله، لأن هذا هو قانون التاريخ، وسنة الخالق في خلقه، ولكن أكثر (الغزاة) لا يعلمون؛؛ والله وحده اعلى أعلم E-mail: [email protected]