لقد تعرض شعب مصر للظلم الاجتماعى والقهر السياسى والنهب الاقتصادى المتعمد فترة الحكم البائد، لذلك قام هذا الشعب الأبى بثورته المجيدة التى كان من أهم شعاراتها العيش والحرية والكرامة الإنسانية، وإخضاع المتسببين فى هذه الأمور للمحاسبة فى ضوء الشريعة السماوية التى تحكمه، ومن ثم لا يصلح الحديث عن أى مصالحة وأى تنمية بدون إحقاق الحق وإنفاذ العدالة التى يرضى عنها الله - عز وجل - فى شريعته الغراء . ولكن ديننا قد علمنا العفو، فما أعظم عفو رسول الله - صلي الله عليه وسلم - عن الأعداء؟، فقد مثل النبى - صلي الله عليه وسلم - عفو الإسلام خير تمثيل، وأفهم الجميع أن الإسلام جاء يريد الخير للجميع، لأوليائه وأعدائه جميعًا، وليس دينًا يحقد على أحد، وليست بعض ممارساته الصارمة نابعة عن القسوة، أو الحنق، وإنما هى نابعة عن روح تعميم العدالة على الجميع. وتجلى ذلك فى فتح مكّة عندما حمل الراية سعد بن عبادة، وجعل يهتف فى طرقات مكّة، ويهز الراية وينادى: اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة، ولكن النبى - صلى الله عليه وسلم - رفض ذلك، وأمر حامل الراية ليقول : اليوم يوم المرحمة اليوم تصان الحرمة، واجتمع له أهلها عند الكعبة، ثُمّ ((قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مَا تُرَوْنَ أَنّى فَاعِلٌ بكُمْ؟ قَالُوا خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ قَالَ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطّلَقَاء (( . ولكننا اليوم نتكلم عن مصالحة مع أبناء البلد الواحد الذين تربطهم جذور تاريخية وأرض واحدة ومستقبل واحد، فنحن نتساءل هل حينما يذهب رب الأسرة ليشترى احتياجاته من السلع الأساسية فلا يتصور أن يبيع له البائع هذه السلعة بسعر معين بناءً على أيديولوجيته السياسية أو الدينية أو لونه أو أى اعتبارات أخرى، فالاقتصاد هو العامل المشترك الذى يدور حوله كل الشعب، وظهر ذلك جليًا فى أول مطلب من مطالب الثورة، وهو( العيش) أى تحسين الحالة الاقتصادية. ولقد كان فى الآونة الأخيرة محاولات جادة وعظيمة من مبادرات سياسية وشعبية ودينية متمثلة فى الأزهر الشريف كلها تدعوا إلى الاستقرار الأمنى الذى هو من أهم متطلبات التنمية الاقتصادية، ولكننا اليوم نطالب بإنشاء هيئة مستقلة لتحقيق المصالحة الوطنية، ويكون من أهم أولوياتها تحقيق المصالحة فى الجانب الاقتصادى مع رجال الأعمال ودراسة كل حالة على حدة وتوفيق أوضاعهم ووضع ضوابط على الشركات العاملة فى البلاد للمساهمة فى نهضة المجتمع التى تعمل به، ويمكن الاستفادة من تجارب الآخرين من خلال دراسة تجربة جنوب إفريقيا فى هذا المجال. من أهم العوامل التى تساعد على المصالحة الوطنية فى مصر والتى قد تزيد من فرص النجاح هذه النقاط التالية:- أولًا: البرلمان والحكومة يجب أن يتعاونا معًا لتوفير الأطر القانونية اللازمة لتيسير أعمال تلك الهيئة فى أسرع وقت ممكن، ويعملا على دعم هذه الهيئة وتوفير كل سبل النجاح لها. ثانيًا: لابد من توفير الموارد المالية والبشرية اللازمة للعملية التى من المتوقع أن تحتاج إلى وقت طويل لإنجاز مهامها وتحقيق أهدافها. ثالثًا: ضرورة إجراء المزيد من البحوث الميدانية حول عمل مؤسسات المصالحة الوطنية ونتائجها فى البلدان المماثلة والاستفادة من خبرات الآخرين مع مراعاة الواقع المصرى. رابعًا: دعم المشاريع الجيدة التى ستقوم بناء على هذه المصالحات، فرجال الأعمال الذين قد تورطوا مع النظام السابق فى جرائم مالية وإهدار لأموال الدولة يمكنهم الآن أن يقدموا لهذه البلاد يد العون فى شكل الدخول فى مشاريع عملاقة ينفق من عوائدها على تنمية الريف والعشوائيات مثلًا. خامسًا: تعظيم دور المجتمع المدنى والإعلام فى بث روح العمل والتفاؤل والعفو والتسامح وكل القيم التى تساعد على بناء مصرنا الحبيبة. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]