ذكرت في المقال الخامس من هذه السلسلة أن فرص التطوير الإداري للجماعة والتي هي فرص للتطوير نتيجة وجود قصور في المناهج والاستراتيجيات واللوائح العتيقة للجماعة وهذا ليس إدعاء مني معاذ الله بل هو أمر معلن وموثق تحدث فيه من قبل المهندس خيرت الشاطر في مؤتمرات التطوير ومن قبله ومن بعده تحدث خلق كثير ممن يطلق عليهم تيار الإصلاح في جماعة الإخوان المسلمين من الحاليين والسابقين ومنهم د.إبراهيم الزعفراني، ود.كمال الهلباوي، ومختار نوح، والمهندس حامد الدفراوى، والمهندس خالد داوود، ود.السيد عبد الستار المليجي، والمهندس محمد هيكل، وأحمد ربيع غزالي، ود.عمرو أبو خليل، والمهندس محمد سامي فرج، والمهندس كمال سمير، ود.أنور عبد العزيز، والأستاذ محمد حشيش، والمهندس حازم قريطم، وغيرهم.(1) وتبقى لائحة الإخوان المسلمين كما يقول الأستاذ مختار نوح عرضاً ظاهرياً لأزمة حقيقتها هو الخوف والشفقة على الجماعة وقد اتسمت هذه اللائحة بخمس سمات رئيسية تخالف الفقه الحديث فى التشريعات الديمقراطية وتتعارض مع كثير من مبادئ الشورى وفنون التشريع(2) وسأحاول في هذا المقال والمقالات التالية أن أن أذكر بهذه العيوب الخمسة باختصار ومن أراد التفصيل فعليه الرجوع للمصادر الأصلية في الهوامش واليوم سأذكر من يهمه الأمر بالعيب الأول وكما سبق أن أشرت أن العيب أو القصور هو فرصة عظيمة للتطوير لمن أراده حقا وقبل الحديث عن العيب الأول أريد أن أسوق تعريف موجز لمبدأ فصل السلطات وهو مصطلح صاغه المفكر السياسي الفرنسي مونتسكيو ،ويقصد بفصل السلطات هو أحد مبادِئ الديمقراطية فهو نموذج للحكم الديمقراطى للدول. وقد تم تأسيس أول نموذج من الفصل بين السلطات من قبل الرومان القدماء ودخل حيز اتلنفيذ الواسع النطاق في الجزء الأول من الجمهورية الرومانية وفي اطار هذا النموذج، فان الدولة مقسمة إلى ثلاث سلطات، كل سلطة منفصلة ومستقلة في صلاحيات ومجالات المسؤولية.السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية (3).وهذا النموذج أعتقد أنه صالح أيضا لحكم الأحزاب والجماعات وهو يحقق مبدأي الحرية والديمقراطية وأكرر هنا مقولة الأستاذ فهمي هويدي أن العمل الإسلامي كفكر وكممارسة لا يؤتي بثماره في غيبة الحرية والديمقراطية، (4) العيب الأول:- تركيز السلطات فى يد جهه الإدارة تقوم الفلسفة التى تم بناء لائحة الإخوان عليها على تركيز السلطات فى يد الجهة التنفيذية وهو مكتب الإرشاد مع إن الأصل القانونى فى نصوص اللائحة أنه يتم انتخاب مجلس شورى عام للإخوان .... ويقوم هذا المجلس بانتخاب مكتب الإرشاد .... وعلى العموم فقد إعتمدت اللائحة نظام الانتخاب على درجتين لمجلس الشورى العام ... فبينما تنتخب القاعدة فى المحافظات مجلس شورى خاص بكل محافظة .... فإنه يتم من خلال هذه المجالس فى المحافظات إنتخاب مجلس الشورى العام من بينهم ... والذى يقوم بدوره بانتخاب مكتب الإرشاد وعلينا أن نتصور أن جهه الإدارة (أعضاء مكتب الإرشاد) وهم يقابلون الوزراء فى الدولة المدنية الحديثة.... وعلينا أيضاً أن نتصور أن مجلس الشورى العام هو الذى يقابل المجلس التشريعى ( البرلمان فى الدولة العصرية ) فتكون من طبائع الأمور أن النواب المنتخبين هم المكلفون برقابة الحكومة ( أعضاء مكتب الإرشاد ) وهم المكلفون أيضاً برسم السياسة العامة وإصدار التشريعات والقرارات واللوائح ومحاسبة أعضاء هذا المجلس وإقالتهم أو سحب الثقة منهم أو غير ذلك من صور الرقابة والمحاسبه وتكون مهمه مكتب الإرشاد هى الالتزام بالدور التنفيذى لما يتم نصه من تشريعات دون أى تدخل منه .(5) ويضيف الأستاذ نوح (إلا أن اللائحة قد قلصت إلى حد الإختفاء كل دور لمجلس الشورى العام بينما منحت كل الصلاحيات لمكتب الإرشاد فظهر من خلال نصوصها أن الفلسفة والهدف المرتجى من هذا التشريع اللائحى هو منح جميع الاختصاصات كلها فى يد الجهة التنفيذية ... وبالمثال يتضح المقال : أ- "مكتب الإرشاد هو الهيئة الإدارية والقيادة التنفيذية العليا وهو المشرف على سير الدعوة والموجه لسياستها وإدارتها والمختص بكل شؤونها وتنظيم أقسامها وتشكيلاتها" المادة 6 وقد جاءت هذه الإختصاصات بهذا النص دون أن يعقبها لفظ "وفقاً للائحه ". كما أنه كان يجب الإكتفاء بالعبارة الأولى والتى تجعل من مكتب الإرشاد هو القيادة التنفيذية . ب-مكتب الإرشاد هو الذى يقوم بتعديل اللائحة وذلك بتفويض من اللائحه فله أن يغير ما نصت عليه اللائحة من أعداد الممثلين لكل محافظة وذلك وفقاً للمادة التى نصت على: " ويجوز بقرار من مكتب الإرشاد تعديل العدد المخصص لكل محافظة " ويتم ذلك بالرغم من أن العدد المنصوص عليه فى اللائحة جاء محدداً بنسب ثابتة لكل محافظة المادة 13 ... وتم النص عليه فى اللائحة ( تشريعياً) ... ومع ذلك فلم يتم حتى إلزام مكتب الإرشاد بعرض هذه التشريعات على مجلس الشورى بعد أن يقررها . ج- لمكتب الإرشاد أن يوقف الشروط المنصوص عليها فى اللائحة بالنسبة لصفات الأعضاء المعينين رغم النص عليها تشريعياً وذلك وفقاً للنص " يجوز لمكتب الإرشاد أن يتجاوز بالنسبة للأعضاء المعينين عن الشروط المنصوص عليها فى اللائحة فى الفقرات ( أ ، ب ، ج ) من هذه المادة" . ء- ويمتد اختصاص مكتب الإرشاد التشريعى إلى ضم المحافظات بعضها إلى بعض وضم مجالسها وذلك وفقاً للمادة التى تنص على " ويجوز بقرار من مكتب الإرشاد ضم أكثر من محافظة ليكون لها معاً مجلس شورى واحد ومكتب إدارى مشترك "، وكذلك نص المادة ... " وفى هذه الحالة يحدد مكتب الإرشاد عدد الأعضاء الذين يمثلون كل محافظة لكل من مجلس الشورى والمكتب الإدارى "و كذلك" وفى هذه الحالة يحدد مكتب الإرشاد عدد الأعضاء الذين ينتخبهم مجلس شورى كل منطقة لمجلس الشورى العام من مجموع العدد المقرر للمحافظة (6) ويذكر نوح أنه لاتتجلى سلبيات هذا النص فى مجرد العوار التشريعى ومنح السلطة الإدارية التنفيذية صلاحيات واسعة فى التشريع والتعديل وإنما تتجلى السلبيه الحقيقية فى أن هذه الاختصاصات من شأنها أن تؤثر فى سلامة حق الانتخاب بصفة عامة وتؤثر فى صحة الكشف عن إرادة الناخبين ذلك أن مجالس شورى المحافظات تصعد عدداً محدداً لكل محافظة إلى مجلس الشورى العام والذى يقوم بدوره بانتخاب أعضاء مكتب الإرشاد بل والمرشد نفسه وفقاً لنصوص اللائحة فيكون تعديل الأعضاء والنسب مؤثراً واضحاً فى العملية الانتخابية وللملاحظة فإن الحرص على سلامة العملية الإنتخابيه لا تتعلق بأمر الثقة فى رجال الدعوة فليس من المتصور على من وهب نفسه وحريته لله أن يحدث تغييراً فى الأعداد المطلوب تصعيدها ليدعم توجهاً محدداً . وبالرغم من أن ذلك من غير المتصور إلا أننا نناقش امر اللائحة من حيث هى لائحة تعبر عن التقدم الفكرى للحركة الإسلامية فيكون الأمر على نحو مستغرب أو مرفوض من الناحية القانونية أن يصدر قرار مثلاً بتغيير النسبة العددية لمحافظة ما بانقاص العدد الممثل لها فى مجلس الشورى العام .... فإن ذلك الأمر الجلل فضلاً عن عيبه التشريعى لسلب السلطة التشريعية من مجلس الشورى فإن به عيب التأثير على إرادة الناخبين بالسلب أو الإيجاب فضلاً عن تحول النص القانونى من قاعدة عامة مجرده إلى مجرد ألفاظ قابلة للتغيير حسب إرادة الجهة الإدارية وحسب رغبة الأفراد حتى ولو كانت هذه الرغبة من الرغبات الصالحة ومن العجيب أن يتم منح هذه الحقوق للجهه الإداريه بينما لاتمارسها السلطة التشريعية ولم يتم النص عليها أو حتى مجرد الإشارة إليها ولو بمنح الجهه التشريعيه حق التصديق(7) وختاما نقول: يا معشر القراء يا ملحَ البلد *** من يُصلح الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!! وغدا نواصل الكتابة عن فرص التطوير الإداري لجماعة الإخوان المسلمين الهوامش للمقال 389 (1) هيثم أبوخليل :إخوان إصلاحيون ،دار دون للنشر ،القاهرة ،2011 (2) مختار نوح مقال اللائخة الداخلية للإخوان (1-2) نشر في المصريون يوم 15 - 12 – 2009 (3)جمال مصباح :مقال روح القوانين .. نظرية مونتسكيو في فصل السلطات منشور علي موقع الشبكة العربية العالمية بتاريخ 21 يونيو 2011 (4) فهمي هويدي :القرآن والسلطان ،دار الشروق ،القاهرة ط1 عام 1402 ه (5) مختار نوح مقال اللائخة الداخلية للإخوان (1-2) نشر في المصريون يوم 15 - 12 – 2009 (6) المصدر السابق (7) المصدر السابق أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]