قديما قالوا: "المرأة نصف المجتمع وتلد النصف الآخر".. ومع قوة ودلالة هذه المقولة العظيمة إلا أننا قليلا ما نجد ما يساندها في منجزنا الثقافي والفني، وتكاد تنحصر صورة المرأة في يقدم من فنون في صور محدودة، ومكررة ومستهلكة، تسيئ للمرأة أكثر مما تحسن إليها، وتضاعف معاناتها في الوقت الذي يظن فيه مبدعو هذه الأعمال أنهم يدافعوا عن المرأة! وقليلة هي الأعمال الفنية والمسرحية التي تتميز بالاقتراب الحقيقي من قضايا المرأة وتناقشها بموضوعية ودقة، في إطار يحافظ على الشكل الفني وتفاصيله الجمالية محملا بمضامين وأفكار تتسم بالقوة والإبهار. من هذه الأعمال القليلة قدمت فرقة "يناير تياترو" بالتعاون فريق "سينوغرافيا آكت" عرضا مسرحيا أبدعته الشاعرة والكاتبة المسرحية صفاء البيلي، وقامت ببطولته الفنانة الشابة رباب طارق، من خلال مونودراما "امرأة عنيفة" التي تصادف فيها توافق الشكل مع المضمون في توازن قلما يحدث على خشبة المسرح، حيث قدمت الكاتبة صورا متعددة من معاناة المرأة العربية في مراحل عمرها المختلفة، وناقشت علاقتها بواقعها المحيط بها، وكيف تقام العراقيل في طريقها ويحول المفسدون دون وصولها لطموحها، حين يلجأون إلى تنميطها في صور مستهلكة ينصب أغلبها على صراعها مع الرجل، وهي منطقة تسيئ للمرأة والرجل معا. ومثلما أبداعت الكتابة صفاء البيلي وتفوقت على نفسها في سبك الفكرة وفي تسلسل الحدث الدرامي، تمكنت الفنانة رباب طارق من تجسيد هذه الأفكار في أداء تمثيلي مبهر، حيث كان العرض تيارا متصلا من الشعور، أمسكت رباب طارق بخيوطه بفنية هائلة، وتمنكنت من جذب انتيباه الجمهور والاستحواذ عليه. والذي شاهد العرض الذي لم يتجاوز زمنه أربعين دقيقة سيلحظ الجهد الكبير الذي قام به فريق العمل، بدءا من المخرج المنفذ الفنان المسرحي رامي الطمباري، الذي التقط كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة والمعد الموسيقى الشاب أحمد عصام، ومصممة الديكور الشابة نورهان سمير. عرض امرأة عنيفة خطوة واثقة على طريق مسرح اجتماعي واع تقدمه الفرق الشابة التي تعتمد على تقنيات المسرح فقير الإمكانيات المادية غني القيمة الفنية على مستوى المتعة البصرية والجمالية، فضلا عن ثرائه بمضمون يعيد روائع الأعمال الأدبية العظيمة إلى خشبة المسرح. ساعد على ذلك الجهد الإخراجي الرائع الذي قدمه المخرج ومبدع السبوغرافيا أبو بكر الشريف، حيث وضعنا في على مسافة قريبة جدا من الصراع الداخلي لمجتمع النساء والذي تعيشه هذه المراة التي تعبر عن شريحة واسعة وعريضة في مجتمعنا العربي، ونجح في كسر تنميطها في إطار المرأة التي تهتم بكتب الطبخ وكتب الحب والغزل.