سبق وأن نوهنا في الفصول السابقة إلى حجم الضعف المعلوماتي لدى أجهزة الأمن المصرية وافتقارها في ذلك الوقت إلى الأسلوب العلمي في جمع المعلومات ... فضلاً عن الضمانات التي تمنحها القيادات السياسية لضباط الشرطة والاستقلالية التي يتمتع بها جهاز مباحث أمن الدولة اضافة إلى الصلاحيات المخوله له ... على أي الأحوال يظل التعذيب هو الوسيلة الوحيدة المعتمدة لدى أجهزة أمن الدولة للحصول على المعلومات ... وقد اشتملت كل القضايا السياسية موضوع الدراسة على قدر من التعذيب كبير وذلك بغض النظر عن التوجه السياسي ... وإن كانت القضايا السياسية ذات الموضوع الديني " الإسلامي " قد حفلت بالعديد من مظاهر التعذيب النفسي والجسدي وسنعرض لكل ذلك في موضعه ... إن شاء الله . إلا أننا الآن سنعرض صور التعذيب في القضية محل البحث والتي تحمل اسم الفنية العسكرية ... وعلينا أن نثبت أيضاً أن كل وقائع التعذيب تمت في هذه القضية وفي العديد غيرها أمام عين وبصر المحقق على النحو الذي سنشير إليه في الوثائق التالية : الوثيقة الأولى تتعلق بما دونه المتهمون بمحاضر التحقيقات وما ناظرته النيابة بنفسها من آثار على المتهم ولنأخذ مثالاً لذلك بمحضر تحقيق المتهم " حسن عبد الله السحيمي " الذي تم بمعرفة وكيل النيابة " بدوي خليفة " وقد أثبت فيه ما نصه : " علمنا بحضور المتهم الآن فدعوناه داخل غرفة التحقيق فالفيناه شاباً في العقد الثالث من عمره أسمر اللون طويل القامة يرتدي فانله زرقاء اللون أسفلها أخرى بيضاء وبنطلون أخضر اللون أسفله سروال من القماش الأبيض وينتعل حذاء أسود اللون وشاهدنا كدمات حول عينه اليمنى واليسرى وكدمات حول أنفه وفمه وآثار دماء على شفتيه وكدمات بأعلى ظهره وصدره وجرح قطعي بكتفه الأيمن كما لاحظنا تلوث ملابسه بالدماء وتمزق بالكم الأيمن لفنلته الزرقاء وبسؤاله شفوياً عن التهمة المنسوبة إليه بعد أن أحطناه علماً بشخصيتنا وبصفتنا التي نباشر بها التحقيق اعترف بما نسب إليه وأضاف أن ما به من إصابات حدثت من جراء الاعتداء عليه من بعض أفراد الأمن بالمخابرات الحربية ورأينا سؤاله تفصيلاً بالآتي قال " ( نقلت بنصها وتشكيلها من محضر تحقيق المتهم حسن السحيمي بتاريخ 18/4/1974 ) إذن فمن الواضح أن المخابرات الحربية قد اشتركت في تعذيب المتهمين ولم يقتصر الأمر على جهاز مباحث أمن الدولة مما يعني أن التعذيب هو سياسة دولة ولم يكن سياسة جهاز . على أي الأحوال تكرر هذا الشكل بهذا الوصف في أكثر من محضر وعاينت النيابة العديد من الآثار في محاضر متعددة وقد سقنا هذا المثال من هذه الوثيقة تدليلاً على علم النيابة بوقائع التعذيب تفصيلاً بل إنها قد شاهدت آثار الدماء بنفسها وقدم إليها المتهم وهو مصاب ومضروب بالكدمات ومن الجدير بالذكر أن التقرير الطبي الخاص بالمتهم " حسن عبد الله السحيمي " قد أرفق في محضر 27/4 وقد ثبت به وجود كدمات حول عيني المتهم وبأنفه وبظهره وبفخذه الأيسر وركبته اليسرى وأن تلك الإصابات حدثت في تاريخ معاصر لما رواه المتهم وأنها تحدث من التصادم بجسم صلب راض وبالتالي ثبت التعذيب بتقرير طبي صادر من الإدارة الطبية الرسمية إنما يجدر الإشارة إلى سلوك النيابة في هذه القضية فلم تحقق النيابة في واقعة التعذيب ولو تحقيقاً صورياً كما أن النيابة انتقلت في محضر 14/5 إلى سجن القلعة لاستكمال استجواب المتهم ودخلت حتى حجرته ولم تحقق استمرار التعذيب من عدمه ومن الملاحظ أيضاً أن الدكتور " مختار إبراهيم " التابع في عمله لإدارة السجون كما أنه هو الذي يقوم بإجراء تلك الكشوف الطبية دون أن يتم عرض المتهمين على جهة رسمية في وزارة العدل كالطب الشرعي . ومن الجدير بالذكر أن التحقيق قد انتهى مع هذا المتهم الذي تم تعذيبه والذي ظهرت عليه الآثار أمام النيابة وظهرت عليه الدماء وعلى ملابسه ولم تحرك النيابة ساكناً في هذا الأمر كما لم تهتم بالتحقيق في واقعة التعذيب ذاتها ولو كان ذلك التحقيق تحقيقاً صورياً وهذا المشهد تكرر مع متهمين آخرين سنورد بعضهم على سبيل دعم هذه الوثيقة ليس إلا وبهذا تكون الوثيقة الأولى قد انتهت بإدانة تلك المرحلة وبإدانة تلك الصورة من التحقيقات في الوقت الذي كانت مصر في هذه السنوات تحاول أن ترسم شكلاً ديموقراطياً متعلقاً أو مهتماً بحقوق الإنسان بصورة أو بأخرى . الوثيقة الثانية : وهي تتعلق بالمتهم " عبد الحليم السيد عبد الحليم " وقد أجرى التحقيق معه وكيل النيابة " محمود موسى " وفي محضر 18/4 ثبت في محضر التحقيق ما نصه: " وإذ تبينا حضوره دعوناه داخل غرفة التحقيق وبمناظرته تبين أنه شاب في نحو العشرين من عمره يرتدي بنطلون من الصوف وقميص وبلوفر من الصوف وقد لاحظنا وجود بقع دموية على القميص الذي يرتديه كما تبينا وجود تمزق بالبنطلون وبتفتيشه لم نعثر معه على ايه أشياء وقد تبينا وجود إصابات وكدمات بأجزاء متعددة من جسمه كما لاحظنا وجود ضماده طبية بفخذه الأيمن ثم شرعنا سؤاله بعد أن أفهمناه شخصيتنا بالآتي قال " ( نقلت بنصها وتشكيلها من محضر تحقيق المتهم محمود موسى بتاريخ 18/4/1974 ) والعجيب في هذه الوثيقة أن المحقق قد رجع خطوة إلى الخلف فلم يقم حتى بسؤال المتهم عن أسباب الإصابة كما لم يقم بعرضه على الطبيب المختص وكأن هذا الأمر لم يلفت نظره في النص . هذا الأمر دفعنا إلى أن نبحث عن حجم التعذيب في هذه القضية والذي يشكك في كثير من الأقوال في كثير من الحقائق فتبين لنا في محضر تحقيق عدل فيه ذات المتهم عن كل أقواله عرض لبعض وقائع التعذيب التي نتج عنها إجبار المتهمين على الإدلاء بالأقوال وقد ظهر هذا العدول وظهرت معه جريمة التعذيب في ص2314 محضر تحقيق مع المتهم " عبد الحليم " وكان المحضر بتاريخ 18/4 وبدأت هذه الحقائق تتوالى حينما قامت النيابة بمواجهة المتهم باعترافه المكتوب في أوراق في حجم الفلوسكاب وقع عليها المتهم داخل الزنزانة وهذا الأسلوب المرفوض رغم أن النيابة العسكرية قد لجأت إليه في قضايا محكمة الثورة والغدر في أوائل الخمسينات إلا أنه استمر في سائر التحقيقات حتى يتم التأثير على المتهم نفسياً أثناء مواجهته بالأدلة ومع ذلك أدت هذه المواجهة إلى عدول المتهم عن أقواله فيما نصه : " س/ أليست هذه الأقوال الواردة بالمحضر المشار إليه أقوالك ؟ ج/ أيوه أقوالي لكن الأقوال اللي أنا قلتها اليوم أمام سيادتكم هي الصحيحة وأما ما جاء من أقوال في المحضر الآخر مخالف للأقوال التي ابديتها أمام سيادتك فقد قلتها نتيجة ضربي الشديد . س/ من الذي اعتدى عليك ؟ ج/ أنا اعتدى عليّ في الكلية الفنية العسكرية من بعض العساكر ولما أخذونا في الشرطة العسكرية ضربونا برضه والمحقق اللي حقق معي في المحضر اللي وقعت عليه والذي عرضته عليّ سيادتك الآن وبعض الأشخاص الآخرين الذين كانوا معه اعتدوا عليّ أيضاً وهذا الاعتداء جميعه كان بالأيدي والأرجل والعصى الكاوتش وعسكري في الكلية الفنية العسكرية ضربني بمطواه في فخذي والإصابات الموجودة بجسمي نتيجة هذا الاعتداء الذي ذكرته وما وقع عليّ من اعتداء في الكلية الفنية العسكرية وفي الشرطة العسكرية كان على أثر ما أذيع من قتل بعض الحراس أما ما وقع عليّ من اعتداء في التحقيق الذي أشرت إليه والذي أجرى معي قبل هذا التحقيق كان عندما انكرت أول الأمر ثم عندما وجهت بوقائع لا علم لي بها." ( نقلت بنصها وتشكيلها من محضر التحقيق المشار إليه ) إلا أنه يبدو أن هذا العدول قد دفع النيابة وهي تحقق إلى أن تضطر إلى ندب طبيب السجن لتوقيع الكشف الطبي على المتهم وإذا كان من المعروف لدى العاملين في حقل القانون أن طبيب السجن غير مختص بالكشف عن وقائع التعذيب كما أنه لا يملك الخبرة الكافية كما أنه يتبع إدارة السجون ووزارة الداخلية في عمله فقد كان عرض المتهمين عليه هو نوع من أنواع تستيف الأوراق ومع ذلك فقد كان هذا الطبيب يجد نفسه مضطراً أحياناً وقد سبق ذكر اسمه لكي يكتب بعض وقائع التعذيب حينما تكون المسألة واضحة الظهور ولكن هذا العرض لم يكن نهاية الأحداث مع المتهم " عبد الحليم " بل على العكس عرضته النيابة في تحقيق لاحق وفوجئت بالمتهم وعليه آثار تورم بالشفه العليا وعليه آثار بقع دموية على قميصه ويبدو ان المعركة لم تقف بعد ومازال المتهم في الصفحات يذكر وقائع جديدة من التحقيق يصعب علينا إذن أن ننقل جميع الصفحات التي ذكرت فيها وقائع تعذيب المتهم " عبد الحليم " إنما سنكتفي بذكر الملحوظة التي سطرتها النيابة عندما وجدت نفسها مضطرة إلى ذلك دون أن تتخذ إجراء آخر أو تحقيقاً بشأن وقائع الدعوى إلا أنها أثبتت تلك الملحوظة في نهاية التحقيق مع المتهم " عبد الحليم " وقد كانت ملحوظة يظهر من خلالها قسوة التعذيب الذي صدر من الجهات الأمنية بما فيها أجهزة المخابرات العسكرية في مواجهة المتهم . الملحوظة : " 1- بمناظرة جسم المتهم يتبين أنه مازالت به آثار الإصابات والكدمات وهي توجد بظهر المتهم وساعديه ومرفقيه ورسغه الأيمن وإليته اليمنى وفخذيه ومازالت الضماده الطبية بساقه اليمنى أيضاً مازالت توجد بساقيه آثار الكدمات وقد ذكر المتهم أن فمه من الداخل يؤلمه وأنه ينزل منه دماء أثناء الوضوء كما ذكر أن رأسه تؤلمه أيضاً من آثار الاعتداء عليه بالعصا الكاوتش ولكن الاعتداء على رأسه لم يترك آثاراً إصابيه حسبما قرر وأضاف أن الإصابة التي تحت الضماده الطبية أحدثها أحد الجنود بمطواه وهو في حجرة الضابط " ظريف " ولا يعرف اسمه ولكنه يمكنه التعرف عليه فيما لو عرض عليه كما قرر بأن الإصابات التي وقعت عليه لا يعرف محدثها لأنها تمت وأثناء وضع عصابه على عينيه ولا يستطيع تحديد المكان الذي وقع فيه ذلك لأنه نقل إلى عدة أمكنه وهو مغمى العينين غير أنه أضاف أن المحقق الذي أجرى معه التحقيق المبدئي اعتدى عليه أيضاً بالضرب هو وبعض الأشخاص المرافقين له وأنه يمكنه التعرف على ذلك المحقق فيما لو عرض عليه . 2- رأينا ضبط القميص الذي يرتديه المتهم بعد أن كلفناه بخلعه ونأمر بتحريزه . 3- أمرنا بإحضار البلوفر الخاص بالمتهم من السجن وقد أحضر الآن وبعرضه عليه قرر أنه هو البلوفر الخاص به وأنه كان يرتديه وقت الحادث وهو بلوفر من الصوف بني غامق ولم نشاهد به آثار ظاهرة وأمرنا بالتحفظ عليه وتحريزه . تمت الملحوظة ،، ( نقلت بنصها وتشكيلها من محضر التحقيق المشار إليه ) ويؤكد هذا المعنى الذي سقناه ومما يشير إلى من تهاون جهات التحقيق أمام جريمة التعذيب ما ورد في ص2025 من أوراق القضية . إلا أن أمر التهاون أمام جريمة التعذيب سوف نعرضه في كل قضية قادمة في باب مستقل . الوثيقة الثالثة : " تقرير طبي " " بالكشف الطبي الظاهري على المتهم " محمد السيد حسين سليم " البالغ من العمر 22 سنة وجد به الإصابات الآتية : - جرح بالإلية اليسرى غائر محاط بأنسجة بناءه . - جرح بيضاوي الشكل بالإلية اليمنى . - جرح أعلى الفخذ الأيسر الناحية الداخلية الجهة الخلفية . - جرح أعلى الفخذ الأيسر الناحية الخارجية. - ندب جرح أعلى الفخذ أمام المفصل العلوي الأيمن. - ندب جرح بقاعدة القضيب . - ندب جرح بأعلى الفخذ الأيمن الناحية الداخلية . ( نقلت بنصها وتشكيلها من محضر التحقيق المشار إليه ) " تقرير طبي " بالكشف الطبي الظاهري على المتحفظ عليه / محمد محمود عشره البالغ من العمر 22 سنة فتبين منه الإصابات التالية : جمع مخاط بثلاث غرز بمنتصف فروة الرأس ولا يمكن الجزم بطبيعته بسبب التدخل الجراحي بسحج رضي سطحي صغير مساحته 1سم مع كدم رضي دموي مساحته 5سم بالساق اليسرى في المنتصف سحاجات وكدمات رضية متعددة بالظهر ومنطقة الكتفين وسجح رضي سطحي مساحته 2سم×7سم أسفل الضلوع الناحية اليمنى وهذه الإصابات منذ أكثر من 24 ساعة ويجوز حدوثها من تصادمه بجسم صلب راض. ( نقلت بنصها وتشكيلها من محضر التحقيق المشار إليه )