في ظل سيل الاتهامات والأكاذيب والحملات الإعلامية المنظمة التي توجه ضد الرئيس وضد حزبه وجماعته فيكاد يكون الشعور المشترك لدى كل مؤيدي الشرعية ومؤيدي سيادته هو الإحساس بالضيق الشديد من إصراره على التزام الصمت عن كل ما يجب أن يقال والاكتفاء بالحديث فقط فيما لا يشغل بال. وهذا الوضع يتسبب في نزيف مستمر للمؤيدين، ويزيد من عدد الرافضين والمتشككين. فالرئيس كقائد يمثل لجماعته ولحزبه ولأنصاره ولشعبه مصدر القوة الأكبر ومصدر المعلومة الأصدق. وصمته وانخفاض نبرته في مواجهة سيل الاتهامات، وإصراره على عدم وضع خارطة لما هو آت، يوحي بصدق ما يدعيه معارضيه ويؤكد عشوائية المسير. الوضع السياسي الآن تكمن أغلب أوراقه في أيدي الإعلام. وبعيدا عن خصوصية الحالة الإعلامية المصرية من حيث إغراقها في الانحياز واستخدامها المكثف للكذب والتضليل، فأن الإعلام بصفة عامة قد شهد خلال السنوات القريبة الماضية طفرة هائلة جعلت دوره حاسما في تشكيل الرأي العام. وقد كان من المنتظر من السيد الرئيس بعدما وجد نفسه في مركز دائرة الهجوم وتبين له أن الهدف الأساسي من تلك الحملة هو إسقاطه معنويا تمهيدا لإسقاطه مادياً هو وجماعته والمشروع الإسلامي برمته، وبعدما استشعر ندرة المنابر الإعلامية الراغبة في دعمه، فقد كان من المنتظر أن يواجه تلك الحملة الضارية باستخدام أكبر قوة إعلامية تملكها الدولة وهي شخص سيادته وشخص مستشاريه ومعاونيه. فحديث سياسي عميق يفند به تلك الادعاءات ويفضح ما يكمن خلفها من مؤامرات ويبث به روح القوة في أنصاره وفي الأجهزة التابعة له ويبين للشعب الطريق ويوضح الصعوبات ويحدد جدول واضح للعمل والإنجاز..الخ والأهم هو أن يعلن ذلك بنبرة تعكس قوة شخصيته وعمق فهمه وشدة دهاءه، ثم تتكرر الرسالة على لسان متحدثيه ومعاونيه، أمر كهذا حتما سيبطل سحر السحرة ويقطع ألسنة الكاذبين. ورغم قناعتنا بأن سيادته يملك من مقومات الرئيس والقائد الصالح الكثير. إلا أن افتقاده لقوة الخطاب وحسن البيان في هذا الظرف الحرج هو كارثة ونقص لن تشفع له كل صفات الخير الأخرى. فكما يقال أن لكل وقت أذان، وفريضة تلك اللحظة الفارقة هي الفصاحة وقوة الخطاب والقدرة على تفنيد كذب الكاذبين والقدرة على طمأنة المؤيدين. أما الاحتماء بجدار الصمت فلن يرد عن سيادته سهما ولن يسكت له خصماً. لقد كتب الكثير من المؤيدين لسيادته يرجونه حسن اختيار الفريق المسئول عن كتابة خطبه أو المتحدثين باسمه. ولا ندري سببا في الإصرار على نوعية من المعاونين لم يحن وقتها بعد. وأصبحت الصورة تبدوا وكأن جميع رجال الرئيس مستنسخون من نمط بشري واحد كان يعمل (داعية) في صفوف الإخوان أو أنصار السنة مع شديد احترامنا للدعاة. إن تلك اللغة العفيفة والابتسامة الهادئة لن ترهب خصما ولن تطمئن مؤيدا. وعذرا في فجاجة المصارحة إذا قلنا للسيد الرئيس أن المشهد السياسي لن يسير بسرعة استيعاب سيادتكم لأصول اللعبة السياسية. فالعالم قد وضع أصولا لفنون التأثير ووسائل جذب التأييد الشعبي للحاكم وأساليب مهاجمة خصوم الداخل وفنون صناعة التحالفات وهي مما يتحتم في هذا الوقت الفارق أن توضع في الحسبان. لا عيب في أن يتعلم الرئيس من خصومه، لقد نجحت المعارضة في أربعة أشهر فقط من حكم سيادته في أن تتسلم من مواقعها قيادة البلاد. وسحبت من جبهته ملايين الأنصار، وحركت الشارع باتجاهه ككرة من نار. والسؤال هو: كيف فعلت ذلك؟ هل يخرج أعضاء جبهة الإنقاذ على أنصارهم بتلك الابتسامة الحانية الرقيقة التي يخرج بها كل معاونو الرئيس ليقولوا كلاما عديم اللون والطعم والرائحة؟ كلا إنهم فقط يغضبون ويسبون ويلعنون ويكذبون فتشعر من نبرة أصواتهم أن هناك وطن يضيع وحاكم ظالم مستبد يمزق أوصاله وجماعة دينية تغتصب مستقبله. إنها الخطابة وعلم التأثير يا سيادة الرئيس، ذلك العلم الذي وضع شخص مثل جوج بوش على رأس أكبر دولة في العالم لفترتين رئاسيتين. سيدي الرئيس، ضع حولك وفي صدارة معاونيك مجموعات تتمتع بالدهاء وتجيد فنون الخطابة وفنون التأثير وصناعة التحالفات والتربيطات. تملك مظهر يوحي بالقوة والأهم ثم الأهم هو أن تكون ممن يستطيع أن يغضب ويهدد ويتوعد. وأطلقهم على خصومك كعصا موسى تلقف ما يأفكون. صدقني فبكل الحب والتقدير لجماعة الإخوان فهي قد قدمت كل ما عندها بالوصول بسيادتكم لكرسي الحكم. أما ما هو بعد ذلك فليس لهم فيه سابقة فهم أو ميزة علم. ولن ينتقص من فضلهم أن تستكمل الطريق مع فصيل وطني آخر من أبناء شعبك، فحتما لا توجد جماعة أو حزبا لكل العصور. إبتعد عن النخب بكل فصائلها واستجلب من بين ثنايا المجتمع كوادر وطنية عصرية تحمل معكم عبأ المرحلة وتفهم لغة العصر وتجيد مواجهة من يتآمر أو من يقذفكم بزجاجات النار. لا تطلب من الإخوان أن يأتوك بهم، فالمشكلة أنهم يبحثون عن صورتهم في الآخر. وستكون النتيجة مجموعة أخرى من الدعاة في دائرة الحكم. ها قد بلغت اللهم فاشهد. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]