· قابلت عمرو خالد في لبنان وسألته: لماذا غضبت منك السلطة وانقلب عليك الأمن؟.. وفهمت منه أن مريديه علي الإنترنت وصلوا إلي مليون و200 ألف فانزعجت الحكومة · سألت بعض المسئولين في قناة دريم عن أحد الدعاة الجدد ممن يظهرون بشكل متكرر ويتحدثون بفهلوه فقالوا لي: إن الأمن هو الذي فرضه علينا! · الأمن هو الذي صنع القنوات الفضائية الدينية وضربها الآن هدفه ضرب البرامج السياسية في الخطوة القادمة · .. والأمن هو الذي سرب إلي الصحف قصة زواج الشيخ القرضاوي من فتاة صغيرة وهو الذي هدد الشيخ عمر عبد الكافي بشريط فيديو لمنعه من الخطابة منذ شهرين تقريباً قابلت الداعية عمرو خالد بالصدفة في بيروت، حيث كنا نقيم في نفس الفندق.. كان عمرو خالد يجلس مع ابنه في أحد «الكافيهات» المطلة علي البحر داخل الفندق سألني عن قضيتي وسألته عن منفاه الاختياري أو الإجباري جمع بيننا الاعتراف بسوء الأحوال وبالتضييق علي الحريات في مصر.. الرجل ممنوع من الدعوة في مصر وكان لديه مشروع مهم جداً بعد أن تبني قضية مواجهة الأدمان يتعلق بمحاربة التسرب أو الخروج من التعليم.. أي الأطفال الذين لايكملون تعليمهم وتخرجهم عوائلهم من المدارس لأسباب اقتصادية واجتماعية إلا أن الأمن رفض أن يبدأ عمرو خالد مشروعه ومنعه من تبني أي قضية من هذا النوع مع أنها قضية وطنية تفيد المجتمع ولا تشكل خطراً علي أحد ولا علاقة لها بالتطرف الديني مثلا أو الفتاوي المتشددة.. وبينما عمرو خالد يطل علي البحر ويسرح وكأنه يبحث عن الحرية المفقودة سألت نفسي: ما الخطر من هذه القضايا؟ وما الخطر من عمرو خالد نفسه ولماذا انقلب الأمن عليه بعد أن كان راضيا عنه؟! فالرجل ليس متشدداً أو متزمتاً أو متطرفاً لايدعو إلي انغلاق المجتمع ولايحرض الناس للخروج علي الحاكم، أو مقاومة الظلم وهذا هو أكثر ما تخشاه السلطة بل علي العكس من ذلك تماما كان عمرو خالد متهما بأنه شيخ عصري متفتح ومستنير لدرجة أن الكاتب الكبير وحيد حامد حينما أراد أن يقترب من قضية الدعاة الجدد في مسلسل الجماعة الذي عرض في رمضان الماضي جاء بشخصية فهم الكثيرون أنه يقصد بها عمرو خالد.. شخصية داعية تليفزيوني يطارد النساء بنظراته ويكسب الملايين من البرامج التليفزيونية وحينما يصطدم به أحد أصحاب المحطات الفضائية لأنه يريد زيادة راتبه السنوي يصرخ فيه صاحب المحطة قائلا: زي ما عملتك هاعمل غيرك أي واحد من معهد الفنون المسرحية سأعطيه الكتب الدينية التي تعتمدون عليها وسيؤدي نفس المهمة ويلعب ذات الدور.. قد يكون وحيد حامد يقصد الداعية عمرو خالد وقد لايكون هو المقصود إلا أن ما أريد أن أقوله إن عمرو خالد يتعرض للهجوم من الجبهتين المتضادتين: بعض المثقفين المستنيرين يرونه شيخا عصرياً متفتحاً يتكسب من الدعوة ويعتمد علي الأداء المسرحي وفي نفس الوقت يراه الأمن خطراً، الأمر الذي أدي إلي منعه من الدعوة في مصر.. احترنا في عمرو خالد هل هو ممثل مسرحي وصاحب أداء تليفزيوني أم أنه خطر علي الأمن العام؟ أنا شخصيا راجعت نفسي فيما يتعلق بموقفي من عمرو خالد.. كنت أراه مجرد حكاء جيد يجيد فن الأداء التليفزيوني ولكنني بعد أن استمعت إلي مئات الشباب الذين يحبونه ويتأثرون به لأنه يتحدث بطريقتهم ويلبس مثلهم وأنهم تعلموا منه الكثير اقتنعت أن عمرو خالد ظاهرة إيجابية وأنه من أهم الشخصيات المؤثرة في مصر.. سألت عمرو خالد السؤال المهم والحساس: لماذا أنت ممنوع من الدعوة في مصر ما الذي جعل السلطة تغضب منك وتنقلب عليك رغم أنك تنتمي إلي الجناح المعتدل والمستنير؟!.. فهمت منه أن السبب الرئيسي أن مؤيديه ومريديه وأنصاره علي الإنترنت وصل عددهم إلي مليون و200 ألف.. وأن هناك أجنحة داخل السلطة تشعر بالفزع من أن تحظي شخصية شهيرة بهذه الشعبية. عمرو خالد لا يهدد أحداً وليس لديه طموح سياسي إلا أن الأمن الذي يرضي عن بعض المشايخ والدعاة في فترات ويمنحهم الحرية في الحركة والدعوة ينقلب عليهم إذا زادت شعبيتهم خوفا من قوة تأثيرهم، هناك تفسير آخر من مصادر موثوق فيها عن سبب انقلاب السلطة علي عمرو خالد وهو لايتضارب مع التفسير السابق وهو أن عمرو خالد دخل في منطقة الطبقة الراقية والغنية وهو الأمر الذي أدي إلي زيادة أعداد المحجبات من مريديه داخل هذه الطبقة ويعترض البعض علي هذا الكلام ويقول إن عمرو خالد يرفع شعار: لا تتحجبي إلا باقتناع تام وحريص جداً علي عدم الدعوة إلي ارتداء الحجاب ويهتم بقضية تربية النفس وسوف يرد عليه البعض الآخر قائلا: هذا هو الأسلوب التدريجي الذي يؤدي في النهاية إلي ارتداء الحجاب. في كل الأحوال.. عمرو خالد قوة تأثير إيجابية هائلة في الشباب من المؤسف أن نفقدها ونخسرها.. كان من الممكن استثمار شعبيته في حل أزمات ومشاكل اجتماعية وثقافية مثل الإدمان والتسرب من التعليم وغيرهما.. ومنذ عدة سنوات حدثت أزمة شديدة بين عمرو خالد والإعلامي الكبير الأستاذ مفيد فوزي كادت تتحول إلي فتنة طائفية وتعرض مفيد فوزي لحملة عنيفة وصلت إلي حد إهدار دمه من بعض أصحاب العقول الضيقة ممن يرون أنه لايجوز لمسيحي أن ينتقد داعية إسلامياً بحجم عمرو خالد وتحول الخلاف إلي معركة إسلامية مسيحية.. والأسطر القادمة تؤكد أن الإعلام هو الذي ساهم في الفترة الأخيرة في نزع فتيل الفتنة الطائفية والتقليل من حدتها وليس كما يتهمه البعض بأنه هو الذي يشعل نار الفتنة الطائفية.. الذي حدث أننا خططنا في قناة دريم لحلقة هدفها إنهاء الأزمة وحصرها في الخلاف الفكري بعيدا عن أجواء الطائفية وعن صراع الهلال والصليب وذلك في برنامج الدكتورة هالة سرحان الذي كنت أعده لها واستضفنا مفيد فوزي في الاستوديو وعمرو خالد علي الهاتف وجري التوضيح وتمت عملية الصلح من خلال الحوار المتزن والمتعقل المتبادل وانتهت الأزمة، ما يهمني هنا أنني لاحظت اهتماما أمنيا شديداً بالحلقة قبلها وأثناءها وبعدها وهو أمر متعارف عليه في هذه النوعية من الأزمات.. وهو أمر يؤكد أيضا أن الأمن فاعل أساسي في كل ما يتعلق بملف العلاقة بين المشايخ والدعاة الجدد من ناحية والفضائيات من ناحية أخري.. ومن خلال 5 سنوات عملي في القنوات الفضائية أؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن برامج المشايخ والدعاة الجدد تحديداً لابد أن تحظي بموافقة أمنية وفي إحدي المرات سألت بعض المسئولين في قناة دريم عن أحد الدعاة الجدد ممن يظهرون بشكل متكرر ومنتظم ويتحدث بطريقة أقرب إلي الفهلوة منها إلي الدين فقالوا لي إن الأمن هو الذي فرضه علينا.. ومعظم الدعاة والمشايخ يعرفون ذلك جيداً إلا أنهم لايعترفون بالأمر علنية خوفا من أن يتهمهم أحد بأنهم عملاء للمباحث ولذلك أحيي الدكتور صفوت حجازي علي شجاعته في مقاله في (ص 5).. حيث اعترف بأن المشايخ لابد أن يحصلوا علي موافقة أمن الدولة قبل تقديم برامج الفضائيات.. وأحيانا تصنع السلطة بعض المشايخ وتستخدمهم لبعض الوقت وتمنحهم الحماية والغطاء ثم تتخلص منهم.. في وقت من الأوقات كان الشيخ عمر عبدالكافي نجما يلتف حوله الآلاف ويحضرون دروسه وخطبه وحينما غضبت منه الكنيسة بسبب تصريحات وفتاوي نسبت إليه تحض علي كراهية الأقباط انقلبت عليه السلطة ومنعوه من الخطابة في المسجد ثم هددوه بشريط فيديو وابتعد الرجل عن الساحة تماما حتي عاد قريبا بشكل مختلف، ويجيد الأمن لعبة الفضائح مع المشايخ.. وحينما كنت في مطبخ العمل في مجلة «روزاليوسف» لاحظت أن كل الصحف الحكومية نشرت نفس القصة الصحفية التي تم ارسالها إلي المجلة من جهات أمنية وهي قصة تتعلق بالحياة الخاصة للشيخ يوسف القرضاوي وبوضوح أكثر بقصة زواجه من فتاة جزائرية صغيرة السن وهي انتهاك صارخ للحياة الشخصية إلا أن السلطة غضبت من تصريحات هاجم فيها الشيخ القرضاوي نظام الحكم في مصر وردت بهذه الطريقة غير الأخلاقية. والسلطة تستخدم بعض مشايخ الفضائيات كورقة سياسية للهجوم علي الشيعة أحيانا كلما توترت العلاقات مع إيران ويأتي ذلك علي هوي معظمهم ممن يرون أن الشيعة كفرة.. لاحظوا جيداً أن تكفير الشيعة يزداد في البرامج الدينية حينما تتوتر العلاقات السياسية مع إيران ويقل حينما تتحسن. لعبة صناعة المشايخ والدعاة لعبة أمنية.. ولعبة التخلص منهم لعبة أمنية أيضا.. ومثلما صنعت الحكومة الصحافة الصفراء ودعمتها واستخدمتها لتشويه الصحافة ككل صنعت أيضا القنوات الدينية واستخدمتها وهي باعتراف أصحابها صناعة أمنية وضربها الآن هدفه التمهيد لضرب البرامج السياسية بحيث تظهر الحملة وكأنها شاملة تستهدف تنقية الفضائيات من الشعوذة والدجل الديني وإثارة الفتن الطائفية. البرامج السياسية هي المحطة القادمة وهي الهدف الأساسي من ضرب القنوات الدينية.