هل يقف الأمريكيون وراء فكرة "التوريث" في مصر ؟! هذا السؤال بدأ يجد طريقه لدى بعض المهمومين بالشأن المصري الداخلي . تواتر الانطباعات بهذا الشأن ، انتزع بصعوبة تصريحات من بعض المسؤولين الأمريكيين ، تنفي موافقتها على توريث الحكم في مصر ، وعزت عدم حماسها للمعارضة المصرية ، واحتجاجاتها الخجولة على سياسات القمع الرسمي ، إلى أنه لايوجد بديل لا للرئيس مبارك ولا لنجله في صفوف المعارضة ، يحظى بمساندة جماهيرية ! بالطبع هذا الكلام سخيف ولا يصدقه بهلول من بهاليل الشوارع ، فالمعروف أن النظام السياسي المصري الحالي ، ليست له أية جماهيرية ، ولا شرعية إلا شرعية فرض الأمر الواقع بقوة البوليس . مالم يجرؤ الأمريكيون على البوح به ، أنهم لن يتحملوا وجود نظام في مصر ، يمثل الإسلاميين أيا كانت درجة اعتدالهم السياسي . هذا هو المبدأ الأساسي للموقف الأمريكي من ملف الإصلاح في مصر ، فهم يكذبون عندما يعلقون تواطؤهم مع ديكتاتورية النظام الحالي ، على شماعة غياب "القوى الجماهيرية" البديلة . خاصة وأنه ليس ثمة فرز ديمقراطي حقيقي في مصر ، يمكن الاعتماد عليه في قياس اتجاهات الرأي العام ، ففي كل الانتخابات ، يعين النظام على كل صندوق شرطي أو بلطجي ، ونتيجة الفرز تكون مكتوبة ومحددة سلفا قبل الهنا بسنة في أدراج غرفة العمليات بلاظوغلي . ومع ذلك استطاع الناخب المصري في الانتخابات الأخيرة بدماء 14 شهيدا والاف المصابين والمعاقين ، أن يبرق رسالته ويختار ناخبه الشرعي في البرلمان . الأمريكيون يدركون تماما أن لا جماهيرية في الشارع إلا للإسلاميين ، ولن يحتملوا بعد فوز حماس في الانتخابات من تكرار التجربة في مصر ، هذه هي الحقيقة ، وبدأ الكلام في الأونة الآخيرة يكون أكثر وضوحا وصراحة ، وبناء عليه شرع النظام المصري في القيام بالواجب ، كما ريناه في أزمة القضاة الأخيرة ، وفي تصريحات الرئيس مبارك ورئيس حكومته مؤخرا. وللإنصاف فإنه إذا كان التيار الإسلامي في مصر يشكل حقيقة التيار السياسي الأساسي و"البعبع" الذي يخيف النظام في القاهرة وأصدقائه في واشنطن ، فإن في مصر أيضا تيارا ليبراليا ، صحيح أنه أقل قوة وتأثيرا في الشارع المصري بكثير عن التيار الاسلامي ، إلا أنه في غالبيته تيار وطني ، وصحيح أيضا أن له رؤيته المغايرة لرؤية الإسلاميين إلا أنهم جميعا يتففقون على كثير من المبادئ على الصعيدين السياسي والاقتصادي ، في مقدمتها الديمقرطية ومبدأ تداول السلطة . الأمريكيون يدعون أنه ليس ثمة قوى ليبرالية "ثقيلة" في مصر يمكن أن تعتمد عليها واشنطن في تغيير النظام المصري ، وهذا الكلام أيضا كلام سخيف ، صحيح أن الليبراليين ليس لهم جماهيرية الإسلاميين ولكنهم كما قلت وطنينون وليسوا "عملاء" والمشكلة أن في الإدارة الأمريكية تريد "عملاء" ولا تريد "ديمقراطيين " وهذه هي الحقيقة التي ربما يتناسها البعض ، فالإصلاح الأمريكي إذا حدث فلن ليكون إلا لصالح من يخدم مصالحها المحضة في مصر وليس مصالح المصريين ، ولذا فمن المتوقع أن يظل الحال في القاهرة على ما هو عليه إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا . [email protected]