ظهرت جبهة الإنقاذ على الساحة وسط ألغاز سياسية واجهها الرئيس المنتخب بإجراءات لم تكن مفهومة الأسباب لكثير من الناس، ربما لاتصال أطراف المعلومات التى قدمت بين يديه بالأمن القومي، أو ربما لقصور فى الأدلة المادية، أو ربما لمواءمات سياسية تتصل بالداخل والخارج، خرج ليعلن إعلاناً دستوريًا يحبط أهداف مؤامرة لم يكن الشعب يدرك أبعادها، ولم تكن لديه من الشواهد ما يؤكدها، ورغم ذلك لاقت قبولاً عند البعض تفهمًا لأسباب قد يتخيلها، ولاقت اعتراضًا لدى البعض لعدم الحجية القاطعة، وظهرت معها هذه الجبهة.. أى جبهة؟.. لتتخذ من هذا الموقف حجة ظاهرة للاعتراض على سياسات الرئاسة، وقد يكون عند هذا الحد معقولية فى ائتلافهم، ولكنها ما لبثت أن تتكشف أحداث وأحداث لم تستطع معها هذه الجبهة أن تقدم الحجج الكافية لإقناعنا بوجهة نظرهم، وضرر ما اتخذته الرئاسة من إجراءات، لم تقدم أسباباً مقنعة للشعب لرفض الآثار المترتبة على الإعلان الدستوري، ليرفض الشعب الدستور الذى هو أهم الآثار المترتبة على هذا الإعلان، فلاقى تأييدًا من الشعب بنسبة غير قليلة. المتتبع للأحداث يلمح تخطيطاً ليس هدفه الصالح العام؛ بل هدفه يتضح يومًا بعد يوم، هذا الهدف الشخصى الذاتي، بالرغبة فى الاستحواذ على الدولة وإبعادها عن المسار الذى اختاره الشعب، خرجوا ليسفهوا أحلام وعقول الشعب، ويطالبوا بإبعاد الأميين عن التصويت ظنًا منهم عدم وعيهم وعدم فهمهم، وهذا ما أثبت عكسه الواقع، وهذا أيضًا ما يمكن أن نسميه بالسفه السياسي؛ حيث هناك صعوبة إجرائية فى تطبيق مطلبهم، فبدلاً من تقديم أوجه لإقناع هذه الفئة وتوعيتها واستقطابها لهدف عام، راحوا بغباء يستعدونهم، وأدركت – بوعي- تلك الفئة ما فى نفوس هؤلاء من أهداف، وردوا عليهم بقوة وأيدوا الدستور ليس من منطق العداوة - الذى يمكن أن يكون له تأثير - ولكن أيضًا من منطق الفهم الفطرى لما يحقق أهداف ذلك الجمع من الشعب الذى تمسك بحقه وأبدى رأيه. وحينما ظهرت نتائج الاستفتاء حاولوا تشويهه بالتزوير ولم يفلحوا، فراحوا مرة ثانية يستهينون بالنسبة المشاركة فيه، وحاولوا إقناع العامة والخاصة بمغالطة حسابية أساسها أن نسبة الموافقة لم تتعد 16% اعتمادًا على نسبة المشاركة، والتى افترضوا فيها أن من لم يشاركوا هم بالضرورة رافضين لهذا الدستور، خرجت الحناجر لتروج لهذا الأمر دون تقديم أدلة علمية قاطعة على ثبوت وجهة نظرهم، ومخالفة لأسس الانتخابات والاستفتاءات فى كل دول العالم، راحوا ليعرضوا خطابًا - ظناً منهم بانخداع الشعب بهذا الخطاب - ليحاولوا أن يقنعوا الرأى العام برفض الناس للدستور، والخلاص منه بحجة لاستمرار مواجهة الرئاسة والخروج عليها بالمظاهرات والاضطرابات. وكنت أنتظر مع هذا الرفض للدستور الخروج علينا بمشروع واضح لنصوص دستور قد يقبله الشعب، وحينها تكون حقيقة جبهة تريد خير البلاد، وكنت سترانا أفرادًا وجماعات نرفع أصواتنا تأييدًا لطرحهم الذى لم يقدموه، وإنما حينما اطلع الناس على طرحهم وجدوه تشويهًا لما قدمته التأسيسية من طرح، ووجدنا هدفهم قد توحد لتغيير الهوية الأساسية للدولة، ومحاربة نصين أساسين راسخين فى وجدان الشعب المصري؛ لذا كان ذلك أداة رفض وليس أداة للتأييد. وفى تداعيات الأحداث وجدنا فى تكوين هذه الجبهة عناصر معادية لمبادئ الثورة وأهدافها، ظناً منهم أن هذه العناصر ستدفع للحشد، فى مواجهة الرئاسة؛ بل فى مواجهة إرادة الشعب، نعم فى مواجهة إرادة الشعب، هذا التآلف الغريب بين عناصر متنوعة المشارب يفقدها المسمى اسم جبهة، لأن الجبهة فى حقيقة الأمر هى جماعة توحدت فى الأهداف الأساسية؛ لذا تأتى مطالبها موحدة وثابتة، ولكن لأنهم لم يتفقوا أساسًا فى المشارب والأهداف الأساسية، فقد لجأوا لهدف موحد هو إسقاط الكيان القائم - رغم أنهم لم يعلنوه إلا مؤخرًا - غير مراعين لأسس الإسقاط بالآليات الديمقراطية التى يطالبون بها، ثم يتفرغون لتحقيق كل منهم لأهدافه الخاصة كل حسب قوته، غير مراعين لرغبة الشعوب وإرادتها, وهذا لن يكون، لذا فإنى أتساءل أى جبهة تلك؟ أى جبهة تلك التى – لا قدر الله – إن حققت هدفها ستتفرغ للصراع الداخلى بينها لتوزيع الأدوار، وليتهم يستطيعون فعل ذلك بسلمية وبآليات صحيحة، وإنما سيدفعون بنا؛ أى بالشعب لآليات اختلاف لن تنتهي، يذوق ويلاته هذا الشعب. ومع تداعيات الأحداث، ومع عدم مقدرتهم على الحشد الكافى لتحقيق أهدافهم المعلنة، وأهدافهم الخفية، وجدوا أن ذلك لن يتحقق بالتوارى وراء السلمية فى الاعتراض؛ لأن سلميتهم لم تقترن بتقديم مشروع يقنع من يشاركون بأهمية المشاركة؛ لذا بدأوا يتحركون للآليات القذرة فى محاولة تحقيق أهدافهم، وهى الآلية الدموية، آلية التخريب، فإن أفلحت واستولوا على السلطة فبها ونعمت، وإن لم تفلح فإن آثارها - وفق اعتقادهم – كفيلة بإسقاط النظام فى نظر الناس، خصوصًا أن تلك الآثار تتعلق بالاقتصاد، وتأثيره فى معيشة الناس، وعدم قدرة النظام على توفير متطلبات الشعب ناهيك عن عدم مقدرته على تحقيق طموحه، أحذر من ذلك فقد يفلح ذلك؛ لأن المواطن يرغب فى المعيشة الهادئة التى تتوفر فيها الحدود الدنيا من المطالب. وهنا يأتى التساؤل الثانى: أى إنقاذ؟؟ وأين فلسفة ذلك الإنقاذ؟ هل تقوم فلسفة الإنقاذ تلك على وقوع البلاد فى خطر الانهيار الاقتصادي؟ فى خطر الانهيار الاجتماعي؟ أم يقوم هذا الإنقاذ على استخدام طوابير من الخبراء ليقدموا الحلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، تسهم فى رقى البلاد وتقدمها، على دعم العلماء والمتخصصين فى تقديم الرؤى وتبنيها لنجد نموًا وتغيرًا فى معيشة المواطن، أو استخدام أيدى القوة الداعمة للوطن لتمتد بالبناء والإصلاح، وتقديم رؤية واعية لدعم استخدام تلك القوة لحقوقها بالطرق الصحيحة، وتأدية واجباتها تجاه المجتمع، ليتنا وجدنا ذلك، وساعتها كنا جميعًا سنأتلف وراءهم، وكنا سنكون أداتهم للتغيير والتطوير. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]