فى ظل أجواء ملتهبة ومعارضة غير راشدة وحكومة لا تمتلك رؤية استراتيجية فى حل الأزمات بل تعمل على امتصاص الضربات واحترفت سياسة ردود الأفعال، وفى والوقت الذى قل فيه المنصفون وكثر فيه المزايدون خلف شاشات الفيس بوك وتويتر وعبر الفضائيات. انشغلنا بالمعارضة بحثًا عن شماعة نعلق عليها أخطاءنا بدلًا من البحث عن الأسباب الحقيقية التى أدت إلى هذا الاستقطاب، وانشغلنا أيضًا بتسفيهها بدلًا من ترشيدها وإنصافها فى بعض مطالبها المشروعة والمعقولة؛ فالبعض يصنفها بمجموعة من البلطجية والفلول إلى جانب اشتراكيين وشيوعيين مارقين حاقدين، فضلًا عن مجموعات من المسيحيين المتطرفين الذين اجتمعوا واتحدوا من أجل تحقيق هدف واحد وهو إفشال الدولة أو بمعنى أدق إفشال المشروع الإسلامى! نقولُ ذلك ونردده فى مقالاتنا وحواراتنا الفضائية والأرضية والسلكية واللاسلكية، متناسين أن بعض هؤلاء المنتمين للمعارضة وإن كنت أختلف معهم فكريًا وأيديولوجيًا بل حتى فى طريقة ممارستهم للعمل السياسى لعبوا دورًا مهمًا فى ثورة 25يناير2011. هؤلاء من حقهم أن يشاركوا الحزب الحاكم فى إدارة الدولة، وأن يأتى بهم الصندوق، انطلاقًا من مبدأ مشاركة لا مغالبة. يا سادة لقد ذهب العصر الذى يتبوأ فيه الحاكم منزلة مقدسة لا يجوز معها مساسه وملاحقته بالنقد والتوبيخ شديد اللهجة، ويصبح المعارض الذى يسير فى عكس تيار الموالاة خائنًا يستوجب المساءلة والعقاب. إن وجود المعارضة السياسية فى أية دولة هى ظاهرة إيجابية، فالدولة القوية تقوم على جناحين؛ حكومة تمتلك آلية واضحة فى تنفيذ برامجها ومعارضة قوية راشدة تلتزم الآتى: 1- الشعور بالمسئولية الوطنية، وتقديم مصلحة الإسلام والأوطان على المصالح الحزبية والشخصية. 2- احترام الديمقراطية وآلياتها ونتائجها. 3 - مراقبة أداء الحكومة وبرنامجها السياسى بشرط ألا تكون أداة تغيير لتحل محل الحكومة كسلطة بديلة. 4- ممارسة العمل السياسى بسلمية، أما إذا انحرفت للعنف وتكوين مليشيات مسلحة فقد دقت أول مسمار فى نعش زوالها. 5- البعد عن الخطاب الانقلابى أو الخطاب الانفعالى السلبى القائم على نفى الآخر وإفشاله. 6 - الالتزام بالقانون وحفظ الأمن والاستقرار السياسى. 7-الحيلولة دون تحول الحكم الديمقراطى التعددى إلى حكم استبدادى بأشكاله المختلفة. 8- أن تمتلك المعارضة برنامجًا وأفكار محددة تهدف إلى الوصول إلى السلطة وفق مبادئ الدستور التوافقى . 9-ألا تستغل الأحداث والكوارث الطبيعية فى تحقيق مصالح حزبية أو شخصية. 10- أن تلجأ إلى الحوار دائمًا، بآلياته وضماناته المتعارف عليها. ولعل السبب فى تخبط المعارضة المصرية من وجه نظرى يرجع للأسباب الآتية: 1- استحواذ الحزب الحاكم على كل شىء وتعمده إقصاء الآخرين فيما يخص إدارة الدولة. 2- عدم وجود رؤية واضحة للحكومة الحالية. 3- عدم وجود آليات محددة فى تنفيذ مشروع النهضة. 4-استعلاء بالقوة العددية للحزب الحاكم. 5- الشهوة الجارفة نحو الوصول للسلطة من قبل المعارضة. 4- المعارضة فى مرحلة مراهقة سياسية فلم تصل بعد إلى مرحلة النضج الذى يؤهلها للمنافسة السياسية الحقيقية فى الشارع. 5- انعدام الثقة بين كافة أطراف المشهد السياسى. وإذا أردنا معارضة راشدة بالفعل؛ فلابد من مشاركة فعلية وحوار جاد متوازن بضمانات واضحة، وأن تكون نتائجه ملزمة للجميع، وقبلَ ذلك لابد أن ترسخ المعارضة وجودها فى الشارع، وأن تقوم بدورها الطبيعى فى التخفيف عن كاهل المواطنين بما تملكه من كوادر ومواهب وإمكانيات، لكى تستعيدَ ثقة الجماهير فيها، بعد أن ازدادت الفجوة بين المعارضة والشعب طوال العامين الماضيين بسبب الظروف التى تمر بها البلاد، وعليها إعلان تبرؤها من العنف وممن يمارسونها وسحب الغطاء الشرعى لعمليات العنف، وأن تبدأ على الفور فى ممارسة سياسية سلمية راشدة، وأن ترضى بنتائج الديمقراطية، كما رضيت قبل ذلك بآلياتها وخوض تجربتها. وبذلك نلحظ تدريجيًا عودة الثقة المفقودة بين الأطراف المتناحرة، وهذا هو أول مظاهر الانطلاقة نحو المشاركة والتعاون من خلال نظام ديمقراطى تعددى. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]