أسفر المؤتمر السنوي الأخير للحزب الوطني الحاكم عن اطلاق حملة بين أوساط الحزب، قياداته وكوادره وقواعده، للاستعداد للانتخابات النيابية المقبلة بعد عدة أشهر من الآن، الدعوة للاستعداد لم تكن بتوجيه داخلي ولا بتعميم سري في قنوات الحزب الخاصة للاتصال، وانما كانت دعوة علنية مفتوحة عبر أكثر وسائل الاتصال انتشارا في المجتمع المصري وخارجه التي تابعت أعمال المؤتمر ومشاركة الرئيس مبارك في فعالياته. حملت الدعوة المبكرة تنبيها مشددا الي أهمية الانتخابات وضرورة الاستعداد لها، وصدرت عن الرئيس مبارك الذي حرص علي توجيه خطابه للمصريين كافة وليس لأعضاء الحزب الوطني دون غيرهم، مما يعني أنها -أي الدعوة- تنطوي علي بعد اضافي وهو دعوة الكافة في الحزب الحاكم وخارجه للاستعداد لحدث كبير في مسيرة العمل الوطني. الحزب الوطني من الناحية التنظيمية ليس سرا أنه أعاد هيكلة نفسه بناء علي دراسة علمية ولجأ الي تدريب كوادره بوسائل اعتمدها لتأهيلهم لممارسة النشاط السياسي الحزبي ليحققوا أهدافه التي يراها مناسبة، وليس سرا أيضا أن الحزب الوطني يسعي لضم خبراء في العديد من المجالات المهنية والاقتصادية والعلمية وغيرها لتكون لديه سلة اختيارات مناسبة في جميع الاتجاهات، ولابد أنه انصرف بعد انفضاض مؤتمره السنوي الي تنفيذ توجيه الرئيس بالاستعداد للانتخابات. انتظرت بعد انتهاء المؤتمر ظهور ردود فعل علي تلك الدعوة من الجناح الآخر في مسيرة العمل الحزبي الوطني في صورة أنباء أو تحركات حزبية في افق أحزاب المعارضة تشير أو تدل علي أنها تستعد للانتخابات المقبلة في العام المقبل، وما زلت أنتظر ولعلي سأنتظر، دون جدوي. رد الفعل الذي صدر عن جماعات المعارضة كان توجيه المزيد من نفس الاتهام الذي سبق ترديده منذ سنوات وهو أن الحزب الوطني الحاكم محتكر للسلطة، قالت عناصر من المعارضة ان حكومة الحزب مسئولة عن ما تشهده مصر من سوء إدارة وفساد وإفساد، بسبب احتكاره للحكم، يقصدون الحزب الوطني. كان من بين ما قالوه ان قيادات الوطني تحدثت في المؤتمر عن مصر لا يعرفونها، وأن الحزب يستعرض عضلاته بعد أن ضمن أغلبية كاسحة في الانتخابات المقبلة في ظل إلغاء الإشراف القضائي. هذا غير قائمة أخري من التهجم علي الأشخاص لاحاجة بنا الي ترديدها حتي لا نتورط في جريمة سب وقذف لا لزوم لها علي الاطلاق. طبعا هذا كلام انفعالي من المعارضة الواهنة التي تواجه الحزب الوطني الحاكم وتتجاهل حقائق الموقف وأولها أن المعارضة المصرية ممثلة في الأحزاب السياسية لم تحصل مطلقا علي أي نصيب من ثقة الشارع المصري، ربما حظي بعض الرموز من الأحزاب كأشخاص في وقت ما بتعاطف بعض الناس من النخبة لدوافع شخصية مثل خالد محيي الدين مؤسس حزب التجمع، ومثل فؤاد باشا سراج الدين مؤسس الوفد الجديد، ومثل المهندس إبراهيم شكري مؤسس حزب العمل المجمد. هؤلاء الرموز لأسباب مختلفة فضلوا المطالبة بنصيبهم في تركة الحكم التي آلت الي الحزب الوطني برئاسة الرئيس الراحل السادات بدلا من المضي قدما في مشاركة الحزب الحاكم مسئولية اعادة بناء الهيكل الحزبي التعددي في البلاد وبناء الرأي العام المستنير اللازم والضروري لاستمرار النظام التعددي. أما حزب التجمع فلم يستطع تطوير نفسه فكريا ليخرج بفلسفة اشتراكية مفهومة ومناسبة لطبيعة الشعب المصري وأظن أن القطار فاته منذ زمن ويحتاج لزمن أطول ليعيد هيكلة نفسه فكريا وتنظيميا، وأما حزبا الوفد والعمل فقد خسرا الفرصة والتاريخ القديم والحديث بسبب تحالفهما مع تنظيم سياسي محظور يتستر بالدين من أجل تحقيق مصلحة حزبية تتعارض مع القانون والدستور بتصعيده لتنظيم سياسي محظور وإضفاء المظلة الحزبية علي عدم مشروعيته. لهذه الأسباب بقي الحزب الوطني لا يواجه معارضة حزبية بقدر ما يواجه تنازعا جماهيريا بين الافراد والتجمعات المهنية والحرفية وغيرها للحصول علي المنافع من خلال الحزب وحكومته ويظهر ذلك واضحا في الانتخابات، فكثير من الناس لهم رأي سلبي في الحزب الوطني ولكن ذلك لا يمنعهم من مساندته في الانتخابات سواء بالحضور والتصويت له مباشرة، أو بالامتناع عن الحضور وإتاحة الفرصة لآخرين لاستخدام أصواتهم بالهناء والشفاء. لا يمكن لوم الناس بزعم أنها مستسلمة للحزب الحاكم ولا تفعل شيئا عمليا للتخلص منه ، لأن السؤال المنطقي هنا سيكون لمصلحة من يكون ذلك التحرك؟ من الذي يشغل مكان الحزب الحاكم الذي يتولي إدارة البلد من خلال حكومته؟ وأيا كان مستوي أدائها إلا أنها تحاول ترضية الناس والمحافظة علي حد أدني من الخدمات التي يحتاجونها في ظل تآكل الموارد مع زيادة مطردة في السكان. إن مشكلة المعارضة أنها لا تمارس دورها كمعارضة تضع لنفسها برامج جاذبة للأنصار والأتباع ولها في سبيل ذلك أن تأخذ وقتها لتثبيت مفهوم المعارضة في أذهان الناس، ثم تدخل في منافسة انتخابية حقيقية في ظل ثقة الشارع بها وبصدق نواياها. مشكلة المعارضة أنها مستعجلة تريد اقتسام غنيمة السلطة مع الحزب الحاكم دون عناء، إنها لا تريد السلطة كلها بعمل شرعي وصبر جاد يجب أن يتميز به السياسيون في الأحزاب، لذلك لم تحدث حتي الآن استجابة للدعوة للاستعداد المبكر للانتخابات، وبدلا من ذلك بدأوا في ترديد الكلام الماسخ عن الرقابة الدولية علي الانتخابات. هذه المعارضة بهذه الصورة لن تحصل علي شيء سوي قلة القيمة.