كنت فى شدة الإستياء وأنا أشاهد ذلك المشهد المنسوب إلى قوات الشرطة وهى تسحل وتضرب وتجرد أحد الأشخاص من ملابسه عند الإتحادية ، كان مشهداً قاسياً وجارحاً للمشاعر الإنسانية ، وخطر فى ذهنى أن ذلك ربما يكون بمثابة عودة لنظام القهر والتعذيب من قبل الشرطة ، بغض النظر عن الأسباب الداعية لذلك. ولكن بعد أن التقطت انفاسى من روعة المشهد ، وهدأت جوراحى ، قادنى تفكيرى فى المشهد إلى عدد من الحقائق ؛ إن ذلك المشهد يعد بمثابة مشهد سينمائى ممتاز ، اجتمعت فيه مقومات الإخراج الجيد من حسن اختيار الموقع و دقة التصوير وروعة الاّداء ، ولكن كعادة السينما المصرية فإن المشهد كان نسخة مسروقة من مشهد اّخر قديم ، والذى حدث فى ميدان التحرير فى واقعة سحل وإهانة فتاة من قبل القوات المسلحة. وإذا نظرنا للمشهد من الناحية الفنية نلاحظ أن المصور قد اختار موقعاً ممتازاً استطاع من خلاله أن يجمع كل العناصر داخل إطار عدسة التصوير ، من خلال مسقط رأسى لموقع فيه سيارة شرطة ومجموعة من أفرادها بالإضافة إلى الضحية والذى لعب دور البطل. وروعة الإخراج فى إظهار كافة عناصر الاّداء اللازمة فى وقت زمنى قياسى ، من سحل وتعرية وضرب ثم اعتقال ، حدث ذلك فى خلال دقيقة واحدة. إنه حقاً مشهداً مروعاً استطاع أن ينال اهتمام كافة القوى والشخصيات ممن تجاهلوا وغضوا نظرهم عن الكثير من مشاهد العنف فى الاّونة الأخيرة ، من وقائع اغتصاب لثلاثة وعشرون فتاة فى ميدان التحرير ، إلى تعدى على مؤسسات ورموز الدولة وحرق مشاّتها وغيرها من أعمال العنف والبلطجة. بل أن البعض قد اساء استغلال المشهد - حينما نسب الضحية إلى مجموعة البلاك بلوك - فى محاولة منه لنيل عطف وتأييد المشاهدين ولا سيما المنظمات الحقوقية. وبغض النظر عن حقيقة المشهد وملابساته ، يبقى أنه كان بمثابة فرصة مناسبة انتهزها واستغلها البعض ممن يسعون إلى النيل من هيبة الدولة ، ويحرصون على استمرار الفوضى. وبذلك المشهد أصبح لدى الإعلام قطعة قماش مناسبة تصلح لتفصيل الكثير من الأوعية التى تناسب الجميع وتصلح لكافة الأغراض ، منهم من فصل منها بدلة الخروج لوزير الداخلية ، ومنهم من صنع منها وعائاً مناسباً لإدانة الحكومة أو أحزاب وقوى بعينها – كل على حسب تصوره – بل أن البعض ألبسها لرئيس الجمهورية. وبعيداً عن مسببات الحدث وعناصره يبقى دور الإعلام المؤثر عند قراءة الحدث بتعظيمه او تغيير ملامحه أو حتى اخفاؤه ، بأن يصل بالمشاهد البرىء إلى حيثما أراد اظهاره ، وحجب رؤيته عن مايريد اخفاؤه ، بل إظهار مايريد بالكيفية والإسلوب المناسبين لرؤيته ، فى غياب الضمير المهنى وحضور النوايا السيئة. وبذلك يتحول الإعلام من قارىء للحدث إلى صانع له ، ذلك الإعلام الذى يستطيع أن يحول الجانى إلى مجنى عليه فى مشهد تلين له القلوب وتقشعر له الأبدان. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]