البلاك بلوك هم الجناح العسكري لجبهة الإنقاذ، ليس هذا كلاماً مرسلًا أو توقعات مستمدة من وحى الخيال، وإنما وجهة نظر قائمة على متابعة دقيقة للمشهد السياسي منذ فوز الدكتور محمد مرسى برئاسة الجمهورية ويمكن سرد هذه الوقائع فى عدة لمحات. جبهة الإنقاذ اتفقت على هدف واحد وهو إجهاض المشروع الإسلامي وإسقاط شرعية – ممثله – رئيس الجمهورية، كما اتفقت صراحة وضمنيًا على اعتبار الراحل جمال عبد الناصر قدوة لها، ولعل ما يثبت ذلك هو أن قيادتها في يد عمرو موسى وحمدين صباحى وسامح عاشور، وجميع من يعتنقون الفكر الناصري، بجانب الأحزاب الناصرية مثل الكرامة والحزب العربي الناصري والتيار الشعبي وجميعهم قائمون على نهج عبد الناصر. الجبهة أيضًا استحضرت العداء التاريخي بين عبد الناصر والإخوان وحذت حذو القائد الناصري تجاه الإسلاميين، ولكن مع تبديل المقاعد ففي الخمسينات كان عبد الناصر فى سدة الحكم والإخوان في المعارضة واليوم تتبدل الصورة، ولكن الآليات واحدة فرفاق الزعيم التاريخي تخلصوا من رموز الجماعة بإلقائهم في أحواض بها أحماض حارقة مركزة وتعرض آخرون للإعدام والسجن، واليوم يسعى أبناء هذا الرئيس للتخلص من الإخوان والشعب الذي أتى بهم فأحرقوهم وقتلوهم أمام الاتحادية وفى أماكن عديدة غيرها. عبد الناصر أراد التخلص من محمد نجيب – أول رئيس للجمهورية والمعروف بميوله الإسلامية – فأشاع هو وضباطه الفوضى فى القاهرة وعاثوا في الفساد ليبرروا فيما بعد إجبار الرئيس على التنحي، واليوم يتكرر نفس المشهد فى بورسعيد والقاهرة والمحلة وفي الميادين المختلفة - مع أول رئيس مدني منتخب – ولكن لن تفلح المحاولة إن شاء الله. يضاف إلى ذلك أن الجبهة لم تتشكل منذ قيام الثورة أو بأحد محطاتها المحورية وإنما نشأت بعد تولى الدكتور مرسى رافعة شعار "لا للإخوان"، ومؤمنة بأن مجيء الإسلاميين للحكم جاء بالخطأ وأن السلطة كانت في طريقها إليهم ولكنها ضلت طريقها فوقعت في أيدي الإخوان، وهو نفس فكرة الدول الرافضة – فلم يخل اجتماعًا لهم أو تصريحًا إلا وتحدثوا عن إسقاط الرئيس وأن الإخوان لا يستحقون السلطة. لم يخل حشد في ميدان أو مسيرة – منذ تولي مرسي مقاليد الحكم – إلا ورفع المشاركون صورًا لعبد الناصر، حتى إن صور موسى وصباحي في انتخابات الرئاسة كانت مستلهمة من عبد الناصر وهى فكرة إظهار العظمة فى الصورة بالتقاطها من أسفل لأعلى، ولم يتعرض أحدهم لمشروع النهضة أو المشروع الإسلامي إلا وصدعنا بالحديث عن المشروعات الناصرية، ويصفون الإخوان بأنهم قسموا البلاد ونسبوا إليهم – زورًا – بيع أراضي مصر، وتناسوا أن أبا مذهبهم هو أول من باع مصر فترك نصفها للسودان. أما عن علاقة "البلاك بلوك" بجبهة الإنقاذ فظهر جليًا، فى تصريحات متكررة لأعضاء المجموعة على مدار الأسبوع بأن عبد الناصر هو ملهمهم، ونشرهم للفوضى والخراب في الشارع في منظر مشابه لما قامت به المجموعة الموالية لرفاق عبد الناصر في عهد محمد نجيب. هذا في الوقت الذي تدافع فيه الجبهة ورموزها باستماتة عن "البلاك بلوك"، وتمتدح العرض العسكري الذي قاموا به في ميدان التحرير، ويشيد صباحي بطاقاتهم، وموسى بأفكارهم، والبرادعي بحماسهم، وسامح عاشور بوعيهم – رغم أن المادح والممدوح مفضوحون ومكشوفون. ربما تجلس الجبهة على مائدة الحوار وربما تخضع لإرادة الشعب ولكنها أبدًا لن تدين أفعال "البلاك بلوك" ولن تطالبهم بالعدول عن العنف، ولن تتبرأ منهم، ولن تعترف بإرادة الشعب، لأن ما في قلوبهم تجاه مرسي والإخوان ومن يدعمهم "بلاك" أي أسود، ويرون أن الإسلاميين يحتاجون "بلوك" أى حظر لتمدد الفكر الإسلامي المناوئ للفكر الناصري، والأيام ستثبت ذلك. [email protected]