منذ حوالى عشرة أيام، أعلن وزير التعليم العالى أن "الوزارة انتهت من التخطيط لإضافة ستين جامعة جديدة خلال السنوات العشر المقبلة، منها 20 حكومية و40 خاصة وأهلية وتكنولوجية بالإضافة إلى "جامعات دولية" وفقًا لاتفاقات ثنائية مع الحكومات الأجنبية". ولقد عجبت لهذا الإعلان و"التخطيط" الذى يقضى بإنشاء ست جامعات (فى المتوسط) فى السنة الواحدة للأسباب الآتية: أولا: لا أتصور إمكانية الانتهاء من المبانى التى يدرس فيها الطلاب ولا المعامل لأى جامعة كانت فى سنة واحدة، فما بالك بست جامعات فى السنة؟ اللهم إلا إن كنا سنتبع سياسة الاستيلاء على المدارس الثانوية لتحويلها إلى جامعات، وذلك بأن يحل طلاب الجامعة محل طلاب الثانوى أو مشاركة كل الطلاب فى مبنى واحد! (كما كنا نفعل منذ ثورة 1952 حيث تم الاستيلاء على مبنى مدرسة أسيوط الثانوية لتحويلها إلى جامعة) ثم ازداد معدل الاستيلاء على المدارس بصورة غير مسبوقة فى السبعينات، وما تبع ذلك بالإضرار بالاثنين معًا وتدهور التعليم وخاصة فى الجامعات لقصور مبانى المدارس الثانوية من الوفاء باحتياجات الجامعات.. ومازالت الجامعات جاثمة على مبانى المدارس الثانوية حتى اليوم (أكثر من 50 سنة) بدون إعادة هذه المبانى للتربية والتعليم .. ثانيًا: لا أتصور أنه يمكن إعداد هيئة التدريس المناسبين فى التخصصات المختلفة لجامعة واحدة فى سنة، إذ إن إعداد عضو هيئة تدريس واحد يستغرق فى المتوسط عشرة سنوات منذ البكالوريوس حتى الدكتوراه، فما بالك بست جامعات فى السنة الواحدة فى كافة التخصصات؟ اللهم إلا إن كانت هذه الجامعات ستعتمد كليًا على المنتدبين (كما كان يحدث فى السنوات السابقة) الذين أثبتت تجارب السنين أنهم رغم قيامهم بجهود مضاعفة تؤثر على أدائهم التدريسى وعلى أبحاثهم، إلا أن عدم وجودهم كأساتذة مقيمين فى جامعاتهم، قد أضر بالعملية التعليمية والبحثية ضررًا بالغًا، ما أخرج جامعاتنا من المنافسة العالمية.. ثالثًا: إذا كانت "الجامعات" الخاصة (التى أعلنوا أن عددها سيكون أربعين مع الأهلية والتكنولوجية بعد عشرة سنوات) ستنشأ على غرار ما هو قائم فى الجامعات الخاصة الحالية، فإن هذا يعنى أنه سيكون عندنا بعد عشرة سنوات أربعين كارثة تعليمية محققة، مضافًا إليها ما هو موجود منها بالفعل..! فحقيقة الأمر أن ما يسمى "جامعات خاصة" لا يمثل جامعات بمفهوم المسمى، ولكنها لا تعدو أن تكون "كيانات خاصة" تفتقد إلى الركيزتين الأساسيتين للجامعات وهما: الركيزة البحثية والركيزة التعليمية !، وهى على أحسن الأحوال عرجاء إذ لا يوجد فيها بحث علمى مطلقًا.. والركيزة التعليمية الأخرى عليها علامات استفهامات كثيرة.. والهدف من وجودها هو الربح بغض النظر عن الأداء، ولا تشترك مع "الجامعات" إلا فى المسمى.. رابعًا: ماذا ستقدم "الجامعات الدولية" من تخصصات جديدة (بالإضافة إلى تخصصات جامعاتنا)، وحديثة تسهم فى بناء التكنولوجيا المصرية ؟ أم أن هذه "الجامعات الدولية" ستكون نسخة مكررة لما هو قائم بالفعل؟ وأخيرًا فإن أمر"إضافة" جامعات جديدة للتخفيف عن جامعاتنا المكتظة ربما يكون مطلوبًا من ناحية المبدأ، ولكنه يجب أن يحظى بتخطيط هادئ ليس من بينه كسب ود الجماهير، أو جنى الأرباح مقابل بضاعة فاسدة.. فقبل الحديث عن إضافة ستين جامعة أو حتى جامعة واحدة، فأعتقد أنه من الضرورى أن نصرف اهتماماتنا إلى الجامعات القائمة بالفعل، وننفق الأموال لإصلاح ما بها من خلل، ووضعها على الطريق الصحيح: مبانى لائقة، ومعامل مناسبة، وأساتذة أكفاء، ومناهج حديثة، وأبحاث راقية ..إلخ حتى يمكننا التقدم والمنافسة على مكان متقدم بين جامعات العالم، فضلًا عن ماتقدمه هذه الجامعات من بحث علمى يؤدى إلى تكنولوجيا مصرية (تعنى كلمة تكنولوجيا تطبيق البحث العلمى فى الصناعة، فالبحث العلمى الجيد وهو الفكرة المبتكرة القائمة على أساس علمى صحيح هو الركيزة الأساسية للتكنولوجيا، فلا تكنولوجيا بدون بحث علمى). أفاد ترتيب ويب لجامعات العالم – يولية 2011 ( Ranking Web of World Universities) أن أول جامعاتنا فى هذا الترتيب (جامعة القاهرة) رقمه هو 1219، وأن سبع جامعات إفريقية يأتى ترتيبها قبل ترتيب جامعة القاهرة وهى: كيب تاون (324)، بريتوريا (507)، وستيلنبوش (540)، ويتيووترساند (699)، كوازولو الأهلية (727)، رودس (1083)، كيب الغربية (1156). ليس من العيب أن نتعلم مما كنا عليه منذ أكثر من خمسين عامًا حينما كان "التخطيط" السليم هو التخطيط السائد، ومثال ذلك ما تم فى جامعة محمد على (أسيوط حاليًا) حيث وضع الأمير محمد على حجر الأساس لهذه الجامعة فى عام 1948 على أن تبدأ الدراسة فى عام 1958، حيث تكون المبانى قد اكتملت وأعضاء هيئة التدريس قد تم إعدادهم العلمى بحصولهم على الدكتوراه وعودتهم إلى جامعاتهم. وجاءت ثورة 1952 وتغير ذلك التخطيط واستولت الجامعة على المدرسة الثانوية وأصبح هذا هو النموذج الذى اتبع بعد ذلك. وأقول لمن يريد أن يستثمر فى قطاع التعليم: لا عيب فى أن تسعى إلى الربح ولكن عليك أن تقدم بضاعة جيدة فى مقابل هذا الربح، فالجامعة الأمريكية مثلًا رغم تحفظنا على قصر الدراسات العليا على تخصصات بعينها تربح أرباحًا كبيرة، وفى نفس الوقت فهى تقدم بضاعة جيدة، حيث يتعلم الخريج تعليمًا يؤهله لاستقبال الحياة العملية، فتتلقفه المؤسسات المختلفة لثقتها فى حسن الإعداد. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]