لم يلتحم الشعب المصرى فى ملحمة عبر تاريخه مثلما حدث فى ثورة 25 يناير، إذ إنها جمعت كل أطياف الشعب المصرى رغم تباينهم الثقافى والاقتصادى والاجتماعى، فتجمع العامل، والفلاح، والطالب، والأستاذ، والمتعلم، والأمى، وأصحاب الحرف والصناعات، وأساتذة الجامعات، والصحفيون، والكتّاب، وغيرهم من أبناء مصر المخلصين الغيورين على الوطن. خرجت جموع الشعب يومها تلتمس الحرية وتنادى بالعدالة الاجتماعية، وتطالب بمعيشة آدمية تتوافر فيها احتياجاتهم وتنعم بهدوء البال ورغد العيش. خرجوا وقد جمعتهم إرادة واحدة وحدهم هدف واحد. جمعتهم إرادة التغيير وقمع الظلم الذى جثم على صدورهم حقبة من الزمان وتجفيف منابع الفساد الذى نهب خيرات البلاد واستأثر بها وحده فى الوقت الذى أعوز فيه جموع الشعب وقتر عليهم معيشتهم وضيق عليهم فى أرزاقهم . وسلط عليهم جلادية يرصدون حركاتهم ويراقبون أفعالهم ويكتمون أفواههم ويقصوون الأكفاء منهم وينكلون بالشباب الطاهر النقى بلا ذنب إلا أنه تحلى بالفضيلة وتخلق بمحاسن الأخلاق وتخلى عن كل قبيح مشين . وحداهم هدف النهوض بمصر من جديد وتبوئها مكانتها الطبيعة بين الأمم ووضعها فى مصاف القيادة والريادة بين الشعوب . حداهم هدف تحقيق العدالة الاجتماعية بين شعبها الذى طحنهم صعوبة المعيشة وهموم الدنيا وأذلهم العوز وطلب الحاجة . حداهم تنسم هواء الحرية النقى بلا قيود ولا جبروت ولا تسلط أو تصنت ولا ظلم أو طغيان ولا تكتيم الأفواه أو كبت للحريات. تجمعت الملايين فى أشهر الميادين ميدان التحرير يعبرون عن وجهة نظرهم، ويسعون لتحقيق أهدافهم وبلوغ مرامهم، وكان شعارهم الأبرز "سلمية..سلمية". ومع ذلك لم يرحمهم الطغيان بل أراق منهم الدماء، وحصدت رصاصات غدره أرواح الشباب، وقتلت عديدًا من الأبناء ليكتب تاريخ مصر من جديد وتصنع الثورة بجيل منشود من أبناء الوطن. لقد كان شعار "سلمية سلمية" هو السبب الرئيس فى عبور ثورة 25 يناير إلى شاطئ النجاح والأمان بل جعل العتاة الطغاة فى حرج بالغ، إذ ليس هناك ما يسوغ استخدام الإبادة للثوار طالما رفعوا هذا الشعار. لقد كان هذا الشعار قوة دفع لأطياف الشعب المختلفة لمشاركة الثوار ثورتهم والانضمام إلى لواء "سلمية سلمية"، والتضحية بأوقاتهم وأموالهم والدفع بذويهم إلى الميدان طالما أن الثوار رفعوا هذا الشعار. لم يكن شعار "سلمية سلمية" دليل ضعف أو علامة جبن للثوار بل كان هو الحل الوحيد أمام المصريين والأنسب لمواجهة الخصم العنيد الذى جبل على العنف، ودرب عليه بل ويمتلك أدواته التى تبيد الألوف فى لحظة واحدة. إننى أربأ بهذا الجيل المنشود من أبناء مصر ألا يستفيدوا من التجارب السابقة التى ورثت بلدنا الحقد والدماء والاستبداد. أربأ بالجيل المنشود من الثوار أن يمحو ما أبهر العالم أجمع طوال ثورة 25 يناير، وأن يطمس ما رصده العالم عن المصريين أيام الثورة المباركة. يا ثوار مصر تحلوا بالصبر وارفعوا شعار "سلمية سلمية" رغم أنوف المفسدين الذين يريدون خراب مصر وضياع أبناء مصر. يا ثوار مصر لا تنطلى عليكم خديعة الماكرين الذين يفسدون ولا يصلحون ويبذلون أموالهم لنشر الفوضى فى المجتمع المصرى. لقد ترك الطغاة مصر بيتًا خربًا يحتاج إلى جهد جهيد وسعى غير مسبوق لإعماره من جديد. فلم لا نضع أيدينا فى بعضها نتناسى الصراعات السياسية وننظر إلى مصر كيف ننهض بها؟ كيف نرتقى بها؟ كيف نمسح الآلام عن أهلها؟ كيف ندخل بسمة فرح على شعبها الكادح؟ يا ثوار مصر كما بدأتم ثورتكم بشعار "سلمية سلمية" اجعلوا أعيادها كلها سلمية. حفظ الله مصر وأرضها وشعبها من كل ماكر خبيث د/ كمال تمام [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]