فى ذكرى كربلاء من كل عام يلطم غُلاة الشيعة خدودهم ويشقون ملابسهم ويضربون أجسادهم حتى تٌراق دماؤهم.. ويعتبرونها مناسبة لتجديد الأحزان مع ذكرى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه.. وأحسب لو أن الحُسين كان حيًا لكان أول من استنكر عليهم ذلك.. ويبدو أن بعضنا يريد أن يجعل من ذكرى 25 يناير كربلاء جديدة.. لقد كان يوم 25 يناير 2011 ميلادًا جديدًا لمصر.. يوم أن كسر الشعب حاجز الخوف وانتقل الخوف إلى الطغاة.. كان بيد مبارك ورجاله مفاتيح السجون يضعون فيها خصومهم ظلمًا وعدوانًا.. فجاء 25 يناير لنرى بعده مبارك وعزمي وجمال وعلاء والعادلي وعز وآخرين داخل السجون.. وسبحان مُغيّر الأحوال.. فقد أصبح لمصر رئيس نستطيع تغييره.. وبرلمان نستطيع تشكيله.. ودستور نستطيع تعديله.. وأحزاب نستطيع تأسيسها.. وصحف نستطيع إصدارها.. لماذا لا نحتفل؟ سارعت بعض القوى والتيارات السياسية إلى الإعلان عن مشاركتهم في فعاليات 25 يناير 2013 وهم يؤكدون أن المشاركة لا تعني الاحتفال!! وكأن كلمة (الاحتفال) قد أصبحت كلمة معيبة يجب أن يتبرأ ويتنصل منها الناس, وأتصور أنه لو كان أحد رموز المعارضة اليوم في الحكم لكان أول المحتفلين بذكرى الثورة!!.. الغريب أنه لا يعترض أحد على الاحتفال بذكرى ثورة يوليو وهي التي دشنت حكم الاستبداد لمدة 60 سنة وقد تزيد.. لكنهم يمتنعون عن الاحتفال بذكرى 25 يناير وكأنه يوم حزين.. إننا نرى أن الشعوب في جميع دول العالم تحتفل بذكرى ثوراتهم وانتصاراتهم ولا يمنعهم من الاحتفال سقوط آلاف بل وملايين القتلى من أبناء أوطانهم الذين بذلوا أرواحهم في سبيل تحقيق الانتصار, كما أننا في شريعتنا الإسلامية نؤمن بقول ربنا: ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ).. فإذا كانوا هم في حياة ورزق وفرحة واستبشار, فعلينا إذن أن نفرح لنيلهم شرف الشهادة وأنهم ارتقوا لربهم.. ولذلك من المشهور عن إخواننا الفلسطينيين أنهم يستقبلون خبر استشهاد أحد ذويهم بالزغاريد لا بالنحيب.. استكمال أهداف الثورة إن عبارة (لم تستكمل الثورة أهدافها) عبارة صحيحة... فالثورة كالوليد لا يبدأ حياته مكتمل النمو.. لكنه ينتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى تالية.. من الولادة إلى الصبا فالشباب فالرجولة وهكذا... إن الثورة تحقق أهدافها بمساهمة جميع المصريين فيها حتى يكتمل نموها... فحين تقتصر نظرتنا فقط على السياسة والسياسيين فهي نظرة أحسبها قاصرة.. إن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يحققه الساسة.. نعم إن عليهم المسئولية الأكبر.. وهم لم يقوموا بواجبهم كما ينبغي.. فساسة اليوم مُربكون ومرتبكون.. بلا رؤية... بلا استيعاب لغيرهم.. سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة.. لم نصل بعد للحكم الرشيد.. ولم نصل بعد أيضًا إلى المعارضة الرشيدة.... إن التغيير الحقيقي يقوم به الطبيب وهو يعالج مرضاه بشكل جديد, ويبنى فيه المهندس والمقاول بضمير جديد, ويعلم المدرس تلاميذه بنمط ومفهوم جديد, ولا يتقاضى فيه الموظف رشوة لتسهيل الأمور... ويقوم الشرطي بواجبه فيمنع الجريمة وإذا حدثت تتبعها حتى يصل للفاعل الحقيقي فيقدمه للعدالة... ليجد تشريعًا مُحكمًا وقاضيًا عادلًا... إن التغيير الحقيقي يحتاج إلى رجل أعمال جديد... واقتصادي جديد يقدم لواقعنا ما يناسبه دون أن يكون مُقيدًا أو أسيرًا لفكر من يمين أو يسار.. إن بعضنا يلوم على حكام اليوم... ومعهم ألف حق.. لكن (وبصدق وإنصاف) نتساءل: وأين الرُشد في بقية مكونات المشهد السياسي المصري؟ أفي الإعلام رُشد؟ أفي خلط القضاء بالسياسة رشد؟ أفي إحجام رجال الأعمال عن الاستثمار رُشد؟ أفي سعي بعض المصريين إلى بيع الجنيه وشراء الدولار دون حاجة لذلك رُشد؟ أفي تربص المعارضة بالحكم رُشد؟ أفي الاستقواء الخارج رُشد؟ أفي اعتراف بعض الساسة أنهم طالبوا العسكر بالاستمرار في الحكم رُشد؟ هل مصلحة الوطن حاضرة عند أحد؟ هل رأينا مصلحة الوطن تعلو على مصلحة الجماعات والأحزاب؟ أعداء الثورة يمكنك أن تنتقد الحُكم الحالي كما شئت بموضوعية ورُشد أو تنتقد الإخوان أو السلفيين أو غيرهم من التيارات الإسلامية كما شئت, لكن أن تضعهم كأعداء للثورة فلا يصح ولا يليق ولا هو بصحيح ..وأحسب أنه وصف يفتقد كثيرا من الرُشد إن أعداء الثورة هم قوى النظام السابق وكل أعوانهم في الداخل والخارج الذين لا يريدون لهذه الثورة أن تنجح, لأن نجاحها سيقطع الطريق أمام تحقيق مصالحهم ومكاسبهم ومفاسدهم, وإعداء الثورة في الخارج لا يريدونها أن تكون نموذجًا للشعوب جديرًا بالاقتداء. لذلك, أحسب أن التحديات لا تزال كبيرة وأن الطريق لا يزال طويلًا وأن الثورة كالوليد لم يكتمل نموه.. إننا بحاجة لرفع شعار (احتفال واستكمال) في ذكرى 25 يناير لهذا العام ولعدة أعوام قادمة.. [email protected]