يبدو أن الحكومة تتعامل مع الإعلاميين المنفلتين -وما أكثرهم - بسياسة (طَوِّل له الحبل)، وطبعًا هذه السياسة لا يعرفها إلا القرويون الذين يقتنون البهائم، وتطويل الحبل للبهيمة المربوطة فى المزارع يجعلها تدور وترتع كما تشاء فتأكل من هنا وهناك وتعيث فى الأرض، وهذا ما يفعله المنفلتون عندما طال حبل الحرية الذى فى أعناقهم، فصرنا نرى ونسمع شتيمة الحكومة والرئيس يوميًّا على الفضائيات فى وصلات من الردح البلدي، كلما تعرضنا لحادث أليم تنحدر أسبابه كما يعلم الجميع من سنوات الإهمال وخراب الذمم فى العهد البائد، فإن لم يحدث شيء من هذا تواصل الردح من أجل موجة برد أو شوية مطر، فإن لم يحدث، تواصل دون أى سبب حتى إنه بدأ يطال أسرة الرئيس وحياته الشخصية. وأعود لسياسة (طوِّل له)؛ يعلم القرويون أن تطويل الحبل للبهيمة عملية جسيمة، ومحفوفة بالمخاطر، سواء كانت البهيمة عجلاً أو جاموسة أو حتى معزة.. فيجب أن يكون التطويل بحساب، لأنه من الممكن أن يكون الطول المفرط مضرًّا بالبهيمة؛ حيث تظل تدور حول نفسها وتكرر ذلك فيلتف حبل الحرية حول عنقها فيخنقها وتموت. وأعتقد أن الحكومة تتعامل مع المنفلتين بهذه الطريقة، فصاروا يندفعون بالشتائم دون حساب، ويتجاوزون كل الحدود لدرجة أن الناس ينفضّون من حولهم، وبدأ الكثيرون ممن كانوا حانقين على الحكومة والرئيس يغيرون رأيهم؛ لأنهم يدركون أن هذا التطاول لا يمكن أن يكون بدافع حب الوطن، وإنما هو بدافع كراهية القائمين على السلطة، ومسألة الحب والكراهية لا يبنى عليها غالبية الشعب حكمهم، ولا يتأثرون إلا بالكلام المقنع المحترم، وطبعًا أغلب كلام هؤلاء المنفلتين ليس فيه حرف واحد محترم، ويومًا بعد يوم تتضح للناس الحقائق وينتحر المنفلتون رويدًا رويدًا، وهم واهمون، ويظنون أنهم يكسبون شعبية جارفة، ولكنهم سيفيقون على الحقيقة الصادمة لهم بعد الانتخابات القادمة بإذن الله تعالى، وسوف يدركون ساعتها قدر الدعاية التى حققوها لصالح التيار الإسلامى عامة، والرئيس خاصة، دون أن يشعروا. وحينها سوف يظلون فى سياسة برم الحبل على أعناقهم فيكيلون الشتائم للشعب بأنه خرفان.. والحقيقة أن الخرفان بل والجمائس والعجول الحقيقية هم الذين لم ينتبهوا إلى ذلك الحبل الملتف حول أعناقهم حتى اختنقوا به. هل معنى ذلك أن الرئيس والحكومة لا يخسرون شيئاً من شعبيتهم..؟ بالطبع لا، فهناك عبئان عليهما؛ الأول هو بعض المعنيين بالإعلام الإسلامى الذى يتبنى خطابًا مستفزًّا يوحى بأن المنتمين إلى تيار الإسلام السياسى هم فقط المسلمون الذين يحبون الله ويحبهم الله، وأنهم يحتكرون الحقيقة المطلقة، وأن غيرهم ضال يجب أن ينصاع لهدايتهم، وهذا الأسلوب غالبًا يأتى بنتائج عكسية، (والنصح متهم وإن نثرته كالدر الشفاه)، فما بالك وهم لا ينفكون ينصحون وينصحون كل يوم حتى مطلع الفجر..! الأمر الآخر الأكثر خطورة، هو ما يفعله بعض المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين، خاصة المهمشين منهم، وهم منتشرون فى المجتمع طولاً وعرضًا، حيث تجد أحدهم فى مجالسه يتحدث كأنه الرئيس، فيقول: سوف نفعل كذا وكذا.. ونحن راضون عن الوزير الفلانى وسنغير العلاني.. هكذا كأنه هو الذى يدير دفة البلاد، وفى الحقيقة لا يدفعه لذلك إلا مرض نفسى يجعله يوحى لمحدثيه أنه ذو شأن وقيمة، ويكون ذلك لتعويض إحساس بالنقص يعانى منه المسكين؛ المشكلة أن ضرر هذا الكلام لا يعود إلا على الرئيس مرسى نفسه؛ فمن العجائب أن شعبية الرئيس تزداد بسبب كارهيه وتقل بسبب محبيه. بقى أمر واحد فى نظرية (طوِّل له)؛ وهو أنه عندما يزداد طول الحبل ويضعف الوتد المربوط فيه، فإن ذلك قد يساعد البهيمة على الانفلات، وفى هذه الحالة تنطلق دون هدى ولا رادع فتفسد الحقل كله.. وهذا ما يخشاه الفلاح ويراقبه عن قرب.. فهل يفعل الرئيس والحكومة ذلك..؟ [email protected]