لو يترك شيخ الأزهر الكلام فيما لا يعيه، لن يسمع ما لا يرضيه، ولو يفرغ الشيخ جل وقته، وكل جهده، لإصلاح ما فسد في الأزهر، لنفع الدين، ونفع المسلمين، ولكن فضيلته حريص على أن يورط نفسه فيما لا طاقة له به، ولا ناقة له فيه، ولا جمل، ولا حتى حمار!!. وسجل الشيخ ملئ بالبراهين على أنه مندفع إلى أداء أدوار غير مطلوبة منه، أو هي مطلوبة منه من غير الحادبين على صورة الأزهر ودوره الحقيقي، ولسنا نحجر على أن يكون للشيخ "مذاهب" في السياسة حتى لو كانت فاسدة، أو أن تكون له "آراء" في فهم ما يجري من حولنا من أحداث حتى لو كانت مضللة، ولكن أن يحاول الشيخ أن يُلبِس "آراءه" عمامة رجل الدين أو جبة شيخ الأزهر فهذا ما لا نرضاه، كما لا نرضى أن يحول الشيخ مشيخة الأزهر من الحديث باسم الإسلام إلى الحديث باسم الحكام! ولسنا ممن يعارضون أراء الشيخ التي تمنح أجهزة الأمن حق القبض على المتظاهرين بمن فيهم علماء الدين من رجال الأزهر إذا كانت المظاهرات التي يشاركون بها ضد النظام والأمن العام، فهذا رأيه، وهو رأي قادة الحزب الوطني، أو هو رأي أراد به ألا يخالف آراء الحزب الوطني، وهو في كل الأحوال لا يخرج عن كونه رأيا لمخبر صغير يرى أن دور الرعية لا يتجاوز الالتزام بما يقول به النظام و ما يأمر به القائمون على الأمن العام ! ولكن أن يقول الشيخ في معرض تعليقه على الشريط الذي أذاعته قناة الجزيرة وتضمن صور مظاهرات اندلعت في الشهر الماضي بمدينة طنطا قامت بقمعها أجهزة الأمن بصورة همجية رغم أن المشاركين بها علماء من الأزهر إنها حرام شرعا لو كانت ضد الاستفتاء، فذلك هو المحظور الذي يقع فيه الشيخ ليناصر رأي الحاكم، ويؤيد نظرة الأمن، والأدهى أنه يستخدم في ذلك عمامة المشيخة ليضفي على آرائه السياسية قدسية هي للدين وحده، وتلك - لو يعلم- طامة كبرى! ولسنا ننازع الشيخ حقه الكامل في أن يقف ضد موقف لعلماء بالأزهر قرروا أن يشاركوا أمتهم ووطنهم همومه وخرجوا إلى الشارع متظاهرين، ونرى أن له كل الحق في أن يرى أنهم يستحقون القبض عليهم، ولسنا نأخذ عليه أنه لا يرى أية غضاضة في ضربهم بهراوات البوليس، ولا يتحرك له جفن من إهدار كرامة علماء أزهريين، ومن حقه ألا يثور من أجل إهدار كرامة العمامة التي يحملونها فوق رؤوسهم، كل ذلك من شأن الشيخ، وله وحده حق تقديره، ولكن ما لا يحق له أن ينفرد به من دون العالمين أن يحرم حلالا أو أن يحل حراما، فذلك ما نرده عليه، ولا نقبله منه، ولا من غيره! ومما يصعب على فهم أمثالنا من العامة أن فضيلة الشيخ صاحب الفتاوى السياسية بتحريم مقاطعة الاستفتاءات والانتخابات لم يلفت نظره الحقيقة التي تدخل في باب العلم العام - ويجوز للقاضي أن يعول عليها في أحكامه- والتي تقول بأن التزوير هو سمة هذه الانتخابات، وأن الموتى الذين يحضرون الاستفتاءات أكثر من الأحياء الذين يساقون إليها، ولم يتطوع الشيخ مرة واحدة ليلفت نظر أهل الحكم إلى حرمة التزوير خاصة إذا كان تزويراً في رأي الأمة، وخيانة للأمانة التي تولاها الحكام! وفيما يسارع الشيخ إلى إدانة وتحريم مظاهرة لعلماء بالأزهر، لم نسمع منه كلمة واحدة على هتك أعراض النساء والفتيات بالشارع، وعلى مرأى ومسمع من العالم، وكأن عيني الدكتور طنطاوي عميت عن أن ترى ما يجرى كل يوم، بل كل ساعة على الأرض من انتهاك لآدمية المصريين، أو كأنه لم يسمع عن أن المعتقلين بدون مقتضى شرعي أو قانوني يملأون السجون والمعتقلات! والغريب أن فضيلة الدكتور طنطاوي لم يخيب ظن منتقديه فيه مرة واحدة، فلم يطلب منه فتوى في السياسة توافق هوى الحكام وامتنع ولو لمرة واحدة يخرس بها منتقديه، ولا تقدم بنفسه للفتوى في المعلوم من الحياة بالضرورة وفيها الكثير الذي لا يرضي الله ورسوله! وليس لنا إلا أن نقول:اتق الله يا شيخ فيما أنت فيه، وارع الله فيما تحت يديك، وانظر إلى ما يحدث في الأزهر الجامعة، وفى الأزهر المؤسسة التي لا ينكر عاقل أنها تحتاج إلى إصلاحات جذرية حقيقية بشرط ألا تكون على الطريقة الأمريكية!. وإذا كان الشيخ ممن يقبلون النصيحة فلا نملك إلا أن نقول له:اصمت يا شيخ بعض الوقت، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، واعط يا شيخ بعض الوقت لإصلاح ما أنت راع ٍعليه، وسوف تسأل عنه يوم "لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ " اللهم فاشهد..