مات الشيخ محمد سيد طنطاوى ( رحمه الله وغفر له) شيخ الأزهر وأحد علمائه، وقد نعاه الناعون ونسيته الحكومة التى حاولت وربما نجحت فى أن تجعل من فضيلته جزءا من نسيجها السياسى! ولم يكن نكران الحكومة للشيخ الجليل ولا إعلانها الحداد ولو ليوم واحد شيئا لافت للنظر، فهذه الحكومة أو السلطة فى مجملها ربما تقيم الحداد على مدعى الفكر والأدب وربما تكرم راقصة ( درجة ثالثة) بحجة أنها قدمت خدمات جليلة للوطن بينما تنسى علماء أجلاء عمدا وعن سوء قصد. نقطة الضوء الوحيدة فى مشهد وفاة شيخ الأزهر هو موقف العالم الجليل الشيخ يوسف القرضاوى – متعه الله بالصحة والعافية، فالشيخ الجليل القرضاوى نعى الشيخ طنطاوى نعيا راقيا يستحق منا جميعا أن نتدارسه، ففيه من الخلق الرفيع ما فيه، وفيه من الوفاء ما فيه وفيه من روعة البيان ما فيه، وفيه من الاحترام للموتى ولقداسة الموت ما فيه. يقول الشيخ القرضاوى متعه الله بالصحة والعافية فى بيانه البليغ معترفا لشيخ الأزهر رحمه الله بالفضل (وأذكر أنى حين اعتقلتُ سنة 1962م فى قضية لا ناقة لى فيها ولا جمل، ذهب ليزورنى، ففوجئ بأنى معتقل، فعرض على زوجتى أن تكلِّفه بما شاءت من خدمات ليقوم بها هو وزوجته). وهذا اعتراف بالفضل من عالم لأخيه وإن اختلف معه فى قضية فقهية أو رأى كما يقول فى بيانه (وظلَّت العلاقة بيننا على ما يرام، حتى بدأ الشيخ ينهج نهجا جديدا فى الإفتاء، لم أرضَ عنه، ولا أكثر علماء المسلمين فى مصر وفى غيرها، ولا سيما ما يتعلَّق بالبنوك وفوائدها، وهو ما اضطرَّنى أن أردَّ عليه بقوَّة، وخصوصا فى كتابى: (فوائد البنوك هى الربا الحرام). )فالحقُّ أقوى من الصداقات، والعلم فوق المودَّات) ما لفت نظرى حقا أن الشيخ القرضاوى متعه الله بالعافية احتفظ بخط رفيع فى العلاقة مع شيخ الأزهر رحمه الله تعالى رغم بعد المسافات بينهما وأعنى بالمسافات هنا مسافة الرأى والاجتهاد . وقد وفى الشيخ القرضاوى شيخ الأزهر رحمه الله حقه ولم تنل منه كما فعل البعض شامتا أو متجنيا والحق أننى بكيت حين قرأت بيان الشيخ القرضاوى خصوصا ذكره لتواضع شيخ الأزهر رحمه الله (وبعد أن عُيِّن الشيخ طنطاوى شيخا للأزهر، تقابلنا فى ندوة أو مؤتمر فى الكويت، فبادرنى الشيخ رحمه الله بالتحيَّة والمصافحة، ونسى ما وقع من خصومة، وأبى أن يتقدَّم علىَّ فى دخول أو خروج، وكان هذا دأبه معى، حتى وافاه الأجل رحمه الله، أدبا وتواضعا منه). فشيخ الأزهر الذى أظهرت لنا السياسة بعضا من آرائه غير الشعبية لديه رصيد كبير فى قلوب العلماء المخلصين من هذه الأمة، وقد أعادتنى كلمات الشيخ القرضاوى إلى نفسى حين كتبت منتقدا الشيخ ذات يوم على ما حدث منه فى موضوع النقاب( موقعة ذات النقاب) ويعلم الله أنى ما كتبت ذلك إنقاصا من قدره- معاذ الله - فقد علمت من أصدقاء الشيخ وزملائه عنه الكثير منذ أكثر عشرين عاما قبل أن يخوض غمار عالم الفتوى ومن ثم توليه مشيخة الأزهر، ولكن قاتل الله السياسة التى تزج بالعلماء فى أتونها فتحرقهم بنارها حتى يتمتع الساسة بالدفء فى ليل المعارك السياسية القارص. آخر السطر رحم الله شيخ أزهرنا وعفا عنه ورحم الله علماءنا الأبرار وجزى الله الشيخ القرضاوى عنا خيرا