المطالبة بالديمقراطية هي الأهم أم التظاهر من أجل تحسين "لقمة العيش " هو الذي له الأولوية ؟! هذا السؤال سمعته كثيرا من أصدقاء لي ينتمون إلى الطبقة الوسطى . و السؤال طرح بإلحاح بعد تعدد المظاهرات المطالبة بالإصلاح السياسي . و يبدو لي أنه قد خُيل للناس أن المتظاهرين يطالبون ب" الإصلاح السياسي" الذي يكفل لهم وحدهم فقط "حرية التظاهر" ! أي أنه يوجد في وعي بعض الناس ، صورة خاطئة عن مفهوم "الديمقراطية" ، باعتبارها مطلبا نخبويا لا يهم إلا المجتمعات المخملية ، و أصحاب ال"بطون الشبعانة" ، و "الناس الفاضية" و التي لا تشكو لا من جوع و لا من مرض . هذا الوعي المشوه عن مفهوم الديمقراطية ، سيفرض حالة من العزلة بين النخبة المتصدية لقضايا الاصلاح و بين الجماهير التي تراهن عليها في الانضمام للمظاهرات التي تنظمها من وقت لآخر . ينبغي التنبيه على أن وجود حكم ديمقراطي حقيقي ، هو الضمانة الوحيدة التي يأمن بها المواطن على حياته من الجوع و من المرض و من "البهدلة" في أقسام الشرطة أو في دواوين الحكومة . لابد أن يعي الناس أنه لو كان في مصر ديمقراطية ، و برلمان حقيقي جاء أعضاؤه ، عن طريق انتخابات نزيهة و ليس بالتزوير ، و يعمل له الرئيس و الحكومة ألف حساب ، ما أصيب عشرات الالاف من المصريين بالسرطان و الفشل الكلوي من المبيدات المسرطنة التي استوردها يوسف والي على مدى ربع قرن من إسرائيل بدون أن يحاسبه أحد . و لو كان في مصر ديمقراطية حقيقية ، ما استطاع زوار الفجر أن يعتدوا على حرمة بيتك و روعوا أطفالك ، و خدشوا حياء نسائك و بناتك ، و لا عذبوا فلذات أكبادك ، و لا اختطفوا ابنك سليما معافا ، ثم يسلمونه لك جثة هامدة محمولا على نعش إلى مثواه الأخير . لو كان في مصر ديمقراطية حقيقية ، ما كنت تأكل أنت و لا تطعم أطفالك رغيف خبز تعف الحيوانات من النظر إليه ، و لا تُركت للأمراض تنهش لحمك و عظمك لفقرك و لاستنكاف المستشفيات الحكومية من استقبالك و الانفاق على علاجك. لو كان في مصر ديمقراطية حقيقية ، لتعلم ابنك في مدارس آدمية و ليس في زريبة للحيوانات ، و ضمنت له وظيفه تناسب قدراته و مؤهلاته بلا واسطة و ليس على قدر و مكانة من يتوسط له . لو كان في مصر ديمقراطية ، ما ترك أبناء الذوات و السادة والباشاوات يقودون السيارات بسرعات جنونية بلا رخص قيادة و لا حتى لوحات تحمل ارقاما .. مغيبين من السكر أو من المخدرات .. يدهسون الفقراء و المعدومين على الطرق و كأنهم "صراصير" لا وزن لهم و لا قيمة و لا دية . لو كان في مصر ديمقراطية ، ما ترك للحاكم الحبل على الغارب لينفق أموال البلد ذات اليمين و ذات الشمال على مشاريع لا قيمة لها أو فاشلة ، ثم يوبخ الناس و ينهرهم إذا ما اشتكوا الفقر و العوز ، و يتهمهم بأنهم سبب الغلاء و عجز الحكومة على الانفاق عليهم ، لأنه شعب "مزواج" و "بيحب العيال "و "بيخلف كتير " ! لو كان في مصر ديمقراطية ، ما تولى حكمها نظام سياسي يحتقر شعبه و يسوقهم بعصى شرطته كيفما أحب أوشاء ، كأنهم بقايا أثاث رث قديم و مهمل في عزبته أو تكيته التي ورثها كابرا عن كابر . الديمقراطية إذن ليست ترفا أو مطلب نخبة و مثقفي الصالونات و متكلمي المنصات ، كما يعتقد البعض ، و لكنها ملاذ الأمة بكاملها من السحق و الموت إما جوعا و مرضا و إما تحت سياط التعذيب . [email protected]