يثبت الأزهر في ظل شيخه المثير للجدل أن الكتاب الذي له ظهر لا يضرب على بطنه، وأن الأزهر الذي يقف في "الهايفة" ويصادر، لا يجرؤ على أن يمنع تداول ولا نشر الكتاب صاحب الحظوة، وكتاب "حياة محمد - مؤسس الدين الإسلامي والإمبراطورية الإسلامية" للقس جورج بوش- الذي وافق مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف الخميس الماضي على تداوله- كتاب له بدل الظهر ألف، لأن مؤلفه قريب من بعيد لولي النعم، صاحب الباب العالي، وساكن البيت الأبيض! وعن نفسي سأحاول أن أصدق القائلين من مجمع البحوث بأن قرار السماح بتداول الكتاب"جاء بعد قراءته وفحصه، ولم يكن بضغوط من أحد"، ولكني لا أستطيع أن أرمي عقلي وأصدق أن الذين قرءوه وفحصوه فهموا ما فيه وعرفوا مراميه، ربما لأن الكتاب في الأصل باللغة الإنجليزية، أو لأن ترجمته غير دقيقة، المهم أن شيئا ما حال دون أن يتعرف أصحاب الفضيلة الذين أجازوا الكتاب على حقيقة ما ورد فيه! ولكني أستغرب أن يعتبر الأزهر الكتاب عملا توثيقيا نقدياً لا يتضمن إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ورغم ورود بعض ما يسميه المشايخ ب "المغالطات حول الإسلام"، إلا أنهم يرون أن هذه المغالطات "غير مستغربة باعتبار المؤلف (قريب جد الرئيس بوش) رجل دين مسيحي تكونت معرفته طبقًا لظروف الزمان والمكان والبيئة الكنسية التي نشأ فيها، كما أنها تتفق مع طبيعة العقلية الغربية تجاه الدين الإسلامي". يا سلام على "الحنية" التي لم تكن نتيجة لأي ضغوط من أحد، وإنما جاءت من تفهم المشايخ لبيئة المؤلف التي تجعله يكتب مغالطات عن الإسلام، وعن نبي الإسلام تتفق مع العقلية الغربية عن الإسلام، ثم يجد من يسمح له ولعقليته الغربية ولبيئته الكنسية المعادية للإسلام أن تنشر ما تريد من مغالطات على القراء المسلمين في بلاد الأزهر الشريف! وأنت لا تحتاج إلى أن تقرأ الكتاب لكي تحكم على كلام مشايخ الأزهر الذين تصدوا لإجازته، فقط أحيلك إلى ما كتبته السفارة الأمريكية بالقاهرة على موقعها إبان تصاعد الهجوم على الكتاب حين عرض طلب تداوله في الأسواق المصرية لأول مرة منذ ما يقارب العام، ساعتها اضطرت السفارة إلى أن تكتب إيضاحا لموقفها ، فقالت إن الكتاب (الذي أجازه الأزهر) هو إنتاج زمن أبرشي كان فيه مجال الفهم ضيق الأفق، ولذا يأخذ الكاتب موقفاً شديد السلبية إزاء الإسلام، فهو يشير إلى محمد"كدجّال" ويصف الإسلام "بالهرطقة" و"الخرافات المخيفة"! تصور أن السفارة الأمريكية لا تكتفي بالقول بأن الكتاب يأخذ موقفا سلبيا من الإسلام بل تؤكد إنه يأخذ موقفا شديد السلبية من الإسلام ثم يأتي الأزهر ليجيز نشره ! ليس هذا فقط بل إن السفارة الأمريكية ترى في تقييمها للكتاب بأنه يتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه "دجالا"، ثم لا يجد الأزهر الشريف في الكتاب ما يجعل القائمين عليه يفكرون في منع تداوله، بل يتصدى مجمع البحوث الإسلامية لكي يقول لنا إن الكتاب ليس فيه ما يخالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة! وحتى لا تترك السفارة شكوكا حول علاقة المؤلف بالرئيس الأمريكي وخوفا من أن يحسب المسلمون موقف الإدارة الأمريكية على موقف الكاتب أوضحت السفارة أن كاتب "حياة محمد، مؤسس الدين الإسلامي والإمبراطورية الإسلامية" كان قريبا بعيداً جداً لأحد أجداد الرئيس بوش، وأنه لم يكن جدا مباشرا للرئيس وأكدت أن آراء الكتاب الصادر قبل 175 سنة والذي بيعت منه 50 نسخة في ثلاث سنوات، يجب أن لا ينظر إليها إلا على أنها طرفة فضولية تاريخية، ولا تمثل في أي حال وجهات النظر الأمريكية الحالية حول الإسلام. كتاب هذا وصفه من أهله، تتبرأ الإدارة الأمريكية منه ومن كاتبه، ثم يجد من بين أهل الإسلام منافحين عن إصداره، ومباركين لتداوله بين المسلمين؟ ومن المفارقة المحزنة حد الأسى أن الإدارة الأمريكية تحدثت في بيانها عبر موقعها على الانترنت عن كتاب القس جورج بوش وكأنها تتحدث عن "كتاب تبنى موقفا سلبيا للغاية ضد الإسلام"، وقالت إنه يشبه المسلمين "بالجراد"، ولكن الأزهر والقائمين عليه لم يروا في الكتاب ما رأته السفارة الأمريكية من انتقاص لديننا ولنبينا، ولا رأى فيه ما يقتضى منعه! وحسبنا الله ونعم الوكيل! [email protected]