بعد أكثر من ست سنوات من سطوة حكومة «نورى المالكي»، انفجر بركان سُنة العراق مطْلِقاً ثورته من الأنبار (ثلث مساحة البلاد، وتضم 3 ملايين و460 ألف نسمة)، إبان محنة طال ليلها الحالك مع الحكم الشيعى الذى يسيطر على ربوع البلاد منذ الغزو الأمريكى عام 2003م، وعلى امتداد ما يقرب من عشر سنوات وقع السُّنة فى العراق (53% من السكان بمن فيهم الأكراد) تحت مقصلة الاضطهاد الطائفى حكومة بعد حكومة.. من حكومة «الجعفري» ( 2005 - 2006م)، إلى حكومة «المالكي» (مايو 2006 - 2013م)، وارتكبت فى حقهم مذابح يشيب لها الولدان، كما شنت تلك الحكومات حملة تطهير عرقى فى المدن ذات الأغلبية السُّنية لتهجيرهم منها داخل العراق ذاته وخارجه، متزامنة مع حملة تطهير عرقى على الوظائف المهمة فى الدولة فى المستشفيات والجامعات والمدارس، بينما سقط المئات من الكفاءات العلمية والقانونية والفكرية والاقتصادية قتلى فى عمليات خاطفة شنتها «فرق الموت» الطائفية، واستطاع العشرات من تلك الكفاءات الهروب خارج البلاد نجاة بأرواحهم. وبات أكثر من ثلاثمائة ألف من السُّنة يقاسون الأهوال فى سجون «المالكي»، بينهم أكثر من 980 من النساء - وفقاً لتصريح وزير العدل حسن الشمرى - تم اختطافهن واغتصاب العديد منهن فى واحدة من مخازى العصر، لا تقل نذالة وخِسَّة عما جرى على أيدى القوات الأمريكية فى السنوات الأولى لغزو العراق، وما جرى للحرائر المسلمات فى البوسنة على أيدى الصرب. وفى الوقت نفسه، يجرى تنفيذ مخطط ممنهج للتخلص من قادة السُّنة الفاعلين على الصعيد السياسى والاقتصادى والاجتماعي؛ بالقتل أو السجن أو الضغط عليهم لترك البلاد.. وتلفيق تهم لمن أفلت من القتل بقضايا تعرِّضهم للإعدام، مثلما حدث مع الزعيم السُّنى البارز «طارق الهاشمي»، نائب الرئيس العراقي، الملاحَق بأكثر من حكم للإعدام على يد حكومة «المالكي»، وقد فقَدَ «الهاشمي» شقيقته وشقيقه فى عمليات اغتيال استهدفت ترهيبه وتطويع مواقفه، ولكنه أبى؛ فكان تلفيق العديد من القضايا التى حكم فيها القضاء المسيَّس عليه بالإعدام، بينما نفذت أحكام الإعدام بالجملة على أبناء السُّنة، ومازال تنفيذ حكم الإعدام ينتظر العشرات حتى اليوم. وقد روى السيد «طارق الهاشمي»، فى لقاء جمعنى به خلال ممارسته مهامه كنائب للرئيس؛ روى لى صوراً من تعذيب وقتل أهل السُّنة بالجملة على أيدى «فرق الموت» الطائفية، وهى صور يشيب لها الولدان، وتقشعر منها الأبدان؛ كتقطيع الأجساد الحية بالمناشير، وتعذيبها بالآلات الحادة، ثم تقطيعها إرباً إرباً، وإلقائها فى مقالب القمامة أو مجمعات المجاري.. ولا حول ولا قوة إلا بالله! إن ذلك كله يأتى فى إطار مخطط طائفى وإقليمى يستهدف تشيُّع العراق بالكامل، وتفريغه من محتواه السُّنى جغرافياً وديمجرافياً، ولكن صمود أهل السُّنة مازال يحول دون تحقيق ذلك المخطط الخطير. ولقد فاض الكيل عن آخره لدى أهل السُّنة؛ فانفجر بركان ثورتهم على مدى الأيام الماضية، مطالبين بإطلاق السجينات، ومعاقبة مغتصبيهن، وإلغاء (المادة 4 إرهاب) من القوانين التى تُعدُّ سيفاً مسلطاً على رقاب أهل السُّنة، وتفتح الطريق على مصراعيه أمام عمليات اعتقال بالجملة لأهل السُّنة بالذات دون الشيعة، ورفع الحواجز من الأحياء السُّنية فى بغداد، وتحقيق التوازن فى الوظائف العامة، وتحقيق الشراكة الوطنية الحقيقية، وإنهاء تهميش أهل السُّنة. لم تلق انتفاضة أهل السُّنة بالاً لدعوات «المالكي» بالحوار، مؤكدين على رحيله ورحيل حكومته، وقد انضم إليهم رئيس البرلمان، وعدد من النواب، كما انضم إليهم زعماء سياسيون شيعة؛ مثل «إياد علاوي»، أول رئيس وزراء بعد الغزو الأمريكى للعراق، الذى طالب «المالكي» بالاستقالة على اعتبار أن قائمة «علاوي» حظيت بالنسبة الأعلى فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وكان الأحق بتشكيل الحكومة، لكن تحالف الأحزاب الشيعية مع قائمة «المالكي» مكَّنته من البقاء رئيساً للوزراء.. بينما أمسك «مقتدى الصدر»، زعيم التيار الصدرى العصا من المنتصف، مؤكداً حق الشعوب فى التظاهر السلمى على ألا يكون «مسيَّساً»، وهى نفس التهمة التى توجهها كل حكومات الجور ضد شعوبها الثائرة، على اعتبار أن «مسيَّساً» كلمة تعنى الولاء للخارج ضد مصالح البلاد! إن دوى ثورة أهل السُّنة فى الأنبار يُسمع اليوم بقوة فى قلب دمشق متلاحماً مع ثورة الشعب السوري، كما أن هدير الثورة فى سوريا بات يزلزل حكم «المالكي» فى العراق، ولئن كان «المالكي» يتحالف مع «بشار»، فإن ثورة سوريا تتلاحم مع ثورة الأنبار، ولن تغلب ثورة يقودها شعب بإذن الله تعالى. (*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية [email protected] twitter: @shabanpress