يبدو أن دولة العراق ستودع عامها بالمزيد من التظاهرات، فمحافظة الأنبار العراقية تشهد منذ عدة أيام احتجاجات في أعقاب اعتقال عدد من حراس عضو القائمة العراقية وزير المالية العراقي رافع العيساوي بتهمة القيام بأنشطة إرهابية. ونجد أن إعلان "مجلس القضاء الأعلى" بالعراق تشكيل لجنة من ثلاثة قضاة للتحقيق مع حرس وزير المالية لم يهدئ من غضب أهالي الانبار.
وقد أعاد اعتقال أفراد حماية وزير المالية إلى الضوء قضية نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي المحكوم غيابيا بالإعدام بتهم تتعلق بالإرهاب، في حين يعتبر معارضون أن هذه التهم ملفقة، وتأتي في سياق مخطط رئيس الوزراء نوري المالكي للاستئثار بالسلطة.
ويشهد العراق منذ الانسحاب الأمريكي قبل عام أزمة سياسية متواصلة حيث يواجه المالكي اتهامات من قبل بالتفرد والتسلط.
"الثورة الأنبارية"
وجاءت "الثورة الأنبارية" ضد المالكي، لتضيف بند جديد إلى ملف الأزمة السياسية في العراق بعد بدء عصيان مدني "شعبي" في محافظة الأنبار في وقت يتواصل التوتر بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان.
وأعلن مجلس محافظة الأنبار الأربعاء الماضي، عن بدء عصيان "شعبي وليس رسمي" في مدن المحافظة احتجاجا على "تهميش المكون السني واستهدافه".
وفي استعراض للقوة الشعبية في الأنبار لمواجهة الحكومة المركزية برئاسة نوري المالكي وتحديها، تظاهر عشرات الآلاف من العراقيين عقب صلاة الجمعة أمس ، رافعين العلم الجديد وأعلام "الجيش السوري الحر" وصور رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، مطالبين بإطلاق المعتقلات وإلغاء قانون الإرهاب والتوازن في إدارات الدولة وفي الجيش وقوى الأمن" في "جمعة العزة".
وكان المتظاهرون قد رفعوا العلم القديم في تظاهرات سابقة، حيث أن على ما يبدو أن المتظاهرين استخدموا هذا العلم للتعبير عن عصر لم تكن فيه الطائفية قد بلغت هذا المستوى الكبير.
وأكد زعيم عشائري بارز اتصالات أجراها ورجال دين سنة مع مرجعيات شيعية بارزة، بينها مقتدى الصدر، للتأكيد أن ترديد متظاهرين شعارات اعتبرها سياسيون تحريضاً على الفتنة "لا يمثل الخط العام لتظاهرات الفلوجة" التي توسعت أمس .
وقال ان رفع العلم العراقي الجديد خلال التظاهرة بدلاً من القديم الذي رفع سابقاً ويمثل حقبة حكم الرئيس الراحل صدام حسين جاء "استجابة لرسالة وجهها الصدر إلى زعماء العشائر في الأنبار".
وشارك في التظاهرات المتواصلة في المحافظة منذ أيام عدة أهالي محافظات صلاح الدين ونينوى وديالى وبعض نواب الكتلة العراقية التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي. وأصدر القائمون على التظاهرة والذين أطلقوا على أنفسهم اللجان التنسيقية للثورة ان أبناء الشعب العراقي وحدة واحدة وقضيته واحدة ضد الإقصاء والتهميش ولا يحتاجون لمؤتمرات مصالحة يشرف عليها رئيس وزراء طائفي .
وأغلق المتظاهرون الطريق الدولي في الفلوجة، ثاني أكبر مدن الأنبار، وأحرقوا العلم الإيراني ورددوا هتافات منها "يا إيران برا برا.. بغداد تبقى حرة"، و"يا مالكي يا جبان.. تاخد شورك (المشورة) من إيران"، و"نعم.. نعم للوحدة"، و"لا للطائفية وحكومة المالكي" و"حكومة الأزمات بامتياز" ، ورفعوا نعشاً رمزياً كتبوا عليه عبارة "الحرية في العراق ميتة" .
وطالب رئيس هيئة علماء الفلوجة وإمام "جمعة الاعتصام" في الأنبار إسماعيل خليل بعدم زج الجيش العراقي والقضاء العراقي في الصراعات السياسية وتسخيرهما لمصلحة "حزب الدعوة الإسلامية" بزعامة المالكي، فيما أشار إلى أن القضاء العراقي بات مسلط الشعب العراقي وجميع القضاة في جهنم.
وانتشرت قوات الشرطة المحلية قرب المتظاهرين، لكن عمليات التفتيش والحماية تكفلت بها مجموعة أطلقوا على أنفسهم ثوار شباب الانهار .
ولم تتدخل وحدات الجيش، لكنها منعت وسائل الإعلام لساعات عدة من الوصول الى مكان التظاهرة. من جانبه، قال مسئول امني رفيع المستوى اتخذنا إجراءات أمنية مشددة لحماية المتظاهرين . وأضاف لدينا معلومات مؤكدة أن هناك مندسين يحاولون إثارة فتنة بين المتظاهرين والقوات الأمنية.
وأشار المسئول إلى أن تنظيم القاعدة يحاول استغلال هذه الظروف من اجل إدخال أسلحة ومندسين إلى داخل هذه المظاهرة للنيل من الوحدة الوطنية.
الرحيل
وطالب المتظاهرون في الرمادي عاصمة الأنبار بإطلاق سراح المعتقلين على أسس طائفية كما دعوا إلى رحيل المالكي.
وهتف المشاركون في بعض المظاهرات بشعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، في حين نددت المظاهرات في عمومها بسياسات حكومة المالكي، وطالبت بالإفراج عن المعتقلات في السجون وسط أنباء عن تعرضهن للاغتصاب والتعذيب.
من جانبه حذر زعيم "صحوة الانبار" الشيخ أحمد ابو ريشة من "مضاعفات الازمة"، مؤكداً الخشية من تكرار سيناريو نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي مع قيادات سنّية جديدة.
وأوضح أن "مطالب أهل الأنبار تتلخص باطلاق السجينات ومعاقبة مغتصبيهن ورفع الحواجز الكونكريتية من الاحياء السنّية في بغداد وتحقيق التوازن في الوظائف العامة وتحقيق الشراكة الوطنية الحقيقية وانهاء تهميش اهل السنّة فهم محبطون ويشعرون بخيبة امل كبيرة ولن ينهوا احتجاجهم حتى يحصلوا على كامل حقوقهم".
وقال عضو مجلس محافظة الانبار ورئيس اللجنة الامنية حكمت عيادة أمام المتظاهرين "اجتمعنا ليس من اجل وزير المالية وافراد حمايته بل من اجل تغيير نهج الحكومة الطائفية واسقاط حكومة المالكي".
دعوة للحوار وردا على تلك المظاهرات دعا رئيس الوزراء الذي يحكم البلاد منذ 2006 ، أمس الجمعة، للحوار وعدم التصعيد. ونفى المالكي في كلمة ألقاها بمهرجان المصالحة والسيادة الوطنية في العاصمة بغداد تهميش حكومته لأي مكوّن في العراق، وقال إن الدولة "قائمة على أساس المشاركة".
وأضاف المالكي "من الأفضل لنا أن نتحدث مع بعضنا البعض، وأن نتفق على طاولة الأخوة والمودة من أجل إنهاء مشاكلنا وخلافاتنا"، مشيرا إلى أن العراق اليوم "بحاجة إلى كل صرخة امرأة وكلمة رجل سبق أن انطلقت لدرء الطائفية.. نحتاجها اليوم لإيقاف دعاة الطائفية".
يأتي ذلك في الوقت الذي انتقد فيه المالكي خلال مؤتمر للمصالحة قطع المتظاهرين الطريق الدولي بين العراق والأردن وسوريا، لكنه أبدى استعداده للتحاور قائلا :" الاحتجاج لا يكون بقطع الطرق والتهديد بالقتال انما بالحوار والتفاهم، بعيداً من الخراب وقطع الرؤوس والتفجيرات".
وقال المالكي :"علينا أن نتحاور ونتفق على طاولة الأخوة والمحبة في إنهاء مشاكلنا وخلافتنا وان يستمع بضعنا إلى بعضنا الآخر، والدول الحية بنيت على أسس القانون، حينما روض الناس أنفسهم على احترام القانون".
وشدد على انه لا احد يستطيع ان يجني من الحرب شيئا، أليس نحن على مقربة من تلك الايام السوداء التي كان يقتل فيها الإنسان على الاسم والهوية؟ . وأضاف متسائلا "ليقل لي احد انه استطاع ان يحقق لمذهبه، لطائفته، شيئا بل الجميع خسر والجميع ضحى بالبلد .
وأشار إلى أن من استفاد هم فقط أعداء العراق وأمراء الحرب وتجار السلاح، وضعفاء النفوس الذين باعوا الإنسان والوطن واشتروا الهزيمة، التي صنعت على يد العراقيين في يوم السيادة . وحيا الموقف الشجاع الذي وقفه العراقيون بوجه دعاة الفتنة حتى لا تعود، لأنها أن عادت ستحرق الأخضر واليابس.
وهذه ليست أول أزمة بين المالكي والانبار ففي يناير الماضي ، اتهم مجلس محافظة الأنبار المالكي بالتنصل من الوعود التي قطعها وعدم تنفيذ أي من مطالب المحافظة، ولوَّح المجلس حينها بإعلان المحافظة إقليمًا .
وبنا المجلس اتهامه للمالكي على وثيقة رسمية وجهها مكتبه إلى وزير شئون المحافظات يطلب فيها منع أي صلاحيات أوسع للمجلس.
وتفيد الوثيقة وهي عبارة عن خطابٍ خطي من مكتبِ رئيسِ الوزراء نوري المالكي إلى وزيرِ الدولةِ لشئونِ المحافظات لتصلَ لطاولة مجلسِ محافظةِ الأنبار، بامتناع الحكومة العراقية عن منح أي صلاحياتٍ أوسع خارج الدستور إلى محافظة الأنبار، وأن يستخدم رئيس مجلس محافظة الأنبار الحق الدستوري في إعلان المحافظة إقليمًا إداريًّا واقتصاديًّا.
واعتبرت الأنبار ذلك الخطاب بمثابة نسف لمطالب تقدمت بها في وقتٍ سابقٍ إلى حكومة المركز للحيلولة دون إعلان إقليم الأنبار.
وقال مزهر الملا خضر عضو مجلس محافظة الأنبار: "فوجئنا بوجود كتاب صادر من دولة رئيس الوزراء إلى وزير الدولة لشئون المحافظات بعدم تنفيذ وإعطاء أي صلاحية لمجلس محافظة الأنبار وكذلك على رئيس المجلس أن يقيم الأنبار وفق الدستور والقوانين".
وأظهرت حكومة الأنبار أنها حازمة في الذهاب لخيار إعلان الأنبار إقليمًا.
وقال مزهر الملا خضر: "الشارع الأنباري معنا والآن أكثر من 85% من الشارع مع الإقليم وبالعكس نظرة الشارع إلينا في إقامة إقليم كبيرة جدًّا ويضغط علينا أكثر، الذين يرفضون الإقليم هم أقلية قليلة مرتبطون بأجندات المالكي وغيره".
ومع انتهاء كل المهل التي أعطتها الأنبار لحكومة بغداد من أجل تنفيذِ مطالب تكمُنُ في توسيع صلاحياتِ المحافظةِ في مجالاتٍ شتى على حسابِ صلاحياتِ بغداد، بدأ العدُ التنازلي لارتقابِ قرارِ إعلانِ الأنبار إقليمًا، القرارُ الذي ربما سيُنهي فصلاً من الخلافاتِ بين الأنبار وبغداد، لتبدأ بعده فصول أخرى من الخلافات. مواد متعلقة: 1. مظاهرات فى الانبار العراقية احتجاجا على الاتفاقية الامنية 2. العراق : صحوة الانبار تعلن الانضمام إلى ائتلاف المالكي 3. مجلس محافظة الانبار يطالب المالكي بإطلاق سراح السجناء الأبرياء