تعددت الأوصاف التى نالها جبران خليل جبران، حيث وصفه البعض بأنه شاعر العزلة، وشاعر الوحشة، وشاعر اليقظة الروحية، وشاعر البحر، وشاعر العواصف، وهو أيضا: المجنون.. الثائر.. المتمرد.. الحكيم. ولم تكن كتابات جبران -سواء الشعرية أو النثرية- وحدها هى المثيرة للجدل، بل إن حياته أيضا صارت مادة خصبة لكثير من الكتاب الذين وجدوا فيها مادة لا تقل إثارة عن شعره. وعلى الرغم من كثرة المصائب التى حلت بجبران، وقصر حياته، فإنه ترك ستة عشر كتابًا عربيًا وإنجليزيًا، وآلافا من الرسوم التى نُشر بعضها فى كتبه. ولد جبران فى مثل هذا اليوم عام 1883م فى قرية بشرّى، وهى قرية منعزلة فى لبنان، وهى معقل المسيحيين المورانة، و قد وصل إليها آل جبران قرب نهاية القرن السابع عشر، لكن لا أحد بإمكانه أن يجزم من أين أتوا بالتحديد، غير أن الأسطورة العائلية تصلهم بالمنابع الكلدانية وهم ساميون قدموا وشكلوا عنصرا سائدا فى الحضارة البابلية. تعلم المهارات الأساسية للقراءة والكتابة فى قرية مثل (بشرى)، وحينما أوشك القرن التاسع عشر على نهايته، لم تكن المدارس العامة -كما يعرفها الغربيون- موجودة. كان مستوى معرفة القراءة والكتابة منخفضًا بين الرجال، ولم تتعلم معظم النساء على الإطلاق أن يقرأن أو يكتبن، كان التعليم الوحيد الموجود يتم من خلال الرهبان فى القرية الذين يعلمون بضعة أفراد مختارين كيف يقرأون النص المقدس المكتوب بالعربية، وكيف يؤدون بعض العمليات الحسابية الأساسية، لكن هذا التعليم الهزيل كان يهدف فقط إلى مطمح واحد هو تدريب الصبيان ليألفوا الكتب المقدسة والطقوس الدينية ليستطيعوا مساعدة رجال الدين أثناء القدسات والطقوس الدينية. تعلم جبران على يد سليم الضاهر مبادئ الأبجدية واللغة، كما استطاع من خلاله أن يكتشف كتب التاريخ والأطالس التى تصف أشكال القارات والبحار المنبسطة. فى الوقت نفسه، وقعت أحداث أخرى فى حياته تركت آثارا لا تمحى، ربما كان أكثرها خطورة ما وقع له قبيل إبحار عائلته إلى أمريكا، فعندما كان جبران فى العاشرة كان فى أحد الأديرة مع ابن عمه يسيران معا فى مكان عال فسقط بهما الجسر ودحرجهما الانهيار الصخرى، فكسرت قدم ابن عمه نيقولا وأصيب جبران بجروح وقطوع عديدة فى رأسه وكسرت كتفه. بدأت مرحلة جديدة فى حياة الشاعر جبران، عندما هاجر إلى أمريكا مع أمه (كاملة) وإخوته، فالتحق هناك بفصل دراسى غير محدد المستوى، خاص بأطفال المهجر الذين عليهم أن يتعلموا الإنجليزية منذ البداية فى بيئة الأرض التى لا تخص أحد. وتبدأ مرحلة جديدة فى حياة جبران، حين ينتقل إلى باريس ويتعرف على (مارى هاسكل) 1904م، التى دفعته فى اتجاه الأكاديمى جوليان فى باريس عاصمة الإبداع، متعهدة نفقاته سنة وأربعة أشهر، وحفزته على الكتابة باللغة الإنجليزية فكتب كتابى: "المجنون" و"النبى" وغيرها. كان لجبران علاقة حب عبر المسافات جمعته بالشاعرة "مى زيادة" التى كانت تعيش فى القاهرة، وكانت تراسله فى نيويورك من 1912 وحتى قبيل وفاته بشهرين، وقد توفى جبران فى العاشر من مايو سنة 1931 بمدينة نيويورك. ومن أشهر قصائد جبران، قصيدة البلاد المحجوبة التى يقول فيها: هوَ ذا الفَجرُ فَقُومى نَنصَرِف ... عَن دِيارٍ ما لَنا فيها صَديق ما عسى يَرجو نبات يختلف ... زهره عَن كل ورد وشَقيق وجديد القَلب أَنى يأتلف ... مع قلوب كلّ ما فيها عتيق هو ذا الصّبح ينادى فَاسمعى ... وهلمى نقتفى خطواته قَد كفانا مِن مساء يدعى ... أَن نور الصبح من آياتِه قَد أَقَمنا العمر فى واد تسير ... بين ضلعيه خيالات الهموم وشهِدنا اليأس أَسرابا تَطير ... فَوقَ متنيه كعقبان وبوم وشربنا السقم من ماء الغَدير ... وأَكلنا السم مِن فَج الكروم ولَبِسنا الصَبر ثَوبًا فالتَهَب ... فَغَدَونا تَرَدّى بِالرّماد وافترشناه وسادًا فَانقلَب ... عندما نمنا هشيما وقتادا