كم تتوقع عدد المصريين المقيمين خارج وطنهم؟ يُعرف المصريون بحب وطنهم، وطالما دبَّجوا المقالات والقصائد الجميلة فى حب الوطن، وأحياناً فى الحنين إليه عندما تلجئهم ظروف العيش إلى مغادرته، وعلى لسانهم تحدث شوقى حين قال: وَيا وَطَنى لَقَيتُكَ بَعدَ يَأسٍ ... كَأَنّى قَد لَقيتُ بِكَ الشَبابا لذا يبدو الرقم كبيراً حين تجد تقارير تتحدث عن أحد عشر مليون مصرى يعيشون خارج أوطانهم، بم فيهم مَنْ إقامته غير نظامية. وقد وفرت لهم الحكومة خطوطاً ساخنة لتصحيح أوضاعهم. بينما تقول تقارير رسمية إنهم أقل من ثلاثة ملايين بقليل! ولعل هذا الفارق الضخم أحد مؤشرات الإهمال فى حقبة مضت، وبناء عليه يتوجّب وجود إحصاء دقيق، وتعزيز ثقة المواطن بأهله وناسه، ولو نأت بهم الدار، وشطَّ المزار. معظم المصريين مقيمون فى بلاد عربية وخليجية، وفى السعودية وحدها قرابة مليون وسبعمائة ألف مصري. متى يشعر المواطن بأهميته وانتمائه؟ حين يجد حضن وطنه الدافئ إذا اقترب، وحمايته إذا اغترب! التحويلات المالية تشكل ركيزة أساسية للاقتصاد المصري، وحسب تقديرات البنك الدولى فقد بلغت تحويلات مصريى الخارج عام (2008م) ما يقارب تسعة مليارات دولار. وهو رقم يزيد وينقص حسب الأوضاع الاقتصادية، والمرجح أنه الآن فى تصاعد. مصر تحتل الرتبة الأولى فى الشرق الأوسط بين الدول التى تتلقى تحويلات مالية من مواطنيها. مصر الجديدة تحتاج إلى اقتصاد نامٍ، وتحتاج إلى أمر آخر وهو المال الطوعى المصحوب بهموم التنمية. ليس ثمَّ قيود أمنية وهمية تثقل كاهل المواطن المصرى اليوم أو تعوق عطاءه. والمتوقع أن ثقة المصرى بأجهزته قد تحسّنت إلى حدٍّ كبير، فلم يعد يخاف من سرقة مجهوده. ومصر الجديدة تتطلع إلى نهضة شاملة وسريعة، وليس إلى وعود سرابيّة. وقد علم المصريون أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، ولكن أرضهم ونيلهم مصدر نماء وثراء. وإن إنسان هذه الأرض الذى نقعت ذرّاته فى طينتها لا يزال وفيَّاً لها حتى يُدفن فيها. حان إذن أن يتشارك مجموعة من مصريى الخارج فى بناء مركز صحى بقريتهم. وأخرى فى إنشاء وحدة لغسيل الكلى، وثالثة فى تأسيس مدرسة لأطفال القرية، بناء مسجد يذكر فيه اسم الله، أو مجمع متكامل يوفر كافة الخدمات أو.. أو.. أو.. وأهل مصر أدرى باحتياجاتها ومطالبها الضرورية العاجلة. هذه ثقافة يجب أن تشيع بين المصريين، وأن يتواصوا بها، وأن يقوم فى كل بلد (مجموعة المبادرة)؛ التى مهمتها إشاعة هذه الأفكار، وتحفيز الناس لها وتنظيمها، وتنسيق المشروعات حتى لا تتعارض، وإحياؤها بصفة مستديمة حتى لا تكون حماسة عابرة، فأحب العمل إلى الله «أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ». وحتى فى الميدان الاستثمارى، فالمصريون يقولون (زيتنا فى دقيقنا)، ومصر بلد الخصب والخير والبركة، ومع الأمانة وصدق النية سوف تجيش بالرى والعطاء. دعونا نحلم بمصر جديدة تنمو كما الصين، وتوظّف الوفرة السكانية؛ لتكون فرصة وميزة، بدل النظر إليها كمعضلة أو معاناة. ماذا تقولون أيها الأصدقاء المصريون المقيمون فى الخارج؟ لا تقولوا ما باله يتكلم فى قضايانا؟! فأنا وإن لم أكن مصرى المولد والنشأة؛ مصرى الهوى، وحب مصر يجرى فى شراييني، ومنها تعلّمت، وعلى يد رجالها وأساتذتها الأعلام تخرَّجت، ولم أشعر بالنشوة مثلما وجدتها حين تجاوزت نقطة التفتيش فى مطار القاهرة بعد انتظار طويل فى حقبة مضت، ولن تعود بإذن الله!