د.عصام العريان ليس شخصًا عاديًا بل هو عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين أكبر جماعة إسلامية، ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة الحزب الحائز على الأغلبية في انتخابات مجلسي الشعب والشورى الأخيرة، وكان مرشحًا لرئاسة الحزب، ومستشار رئيس الجمهورية وعضو مجلس الشورى الحالي، هذه المناصب مجتمعة تجعل منه شخصًا غير عادي ومن ثم تلزمه ألا تكون كلماته وتصريحاته المنقولة لوسائل الإعلام بحسب ما يعن له بل يلزمه أن تكون مدروسة ودار حولها نقاش مع من يعنيهم أمر تصريحاته ثم لا يهمل الاستشارة وخاصة في مسألة مهمة جدًا كحديثه عن عودة اليهود المصريين الذين تركوا مصر أو أُخرجوا منها، د.عصام عندما نستمع له لا نستمع له بوصفه السياسي فحسب، بل بوصفه الإسلامي أيضًا ومن ثم كان لا بد أن يراعي هذا البعد في كلامه أيضًا. لا يختلف الناس على أن اليهود اغتصبوا أرضًا إسلامية وهي فلسطين وأقاموا لهم دولة عليها من قبل أن يخرج اليهود المصريون من مصر، بل اليهود أنفسهم يعترفون بذلك وأنهم لم تكن لهم دولة فقد احتفلوا قبل أعوام قليلة بمرور الذكرى الستين على إنشاء دولتهم ما يعني إقرارهم أنه لم تكن لهم دولة قبل مرور ستين عامًا عندما احتفلوا بذلك. وإذا كان اليهود اغتصبوا أرض فلسطين قبل خروج اليهود المصريين من مصر فإن الدعوة إلى إعادة اليهود المصريين إلى مصر ليس طريقًا صحيحًا إلى إخلاء أرض فلسطين من اليهود حتى تعود الأرض لأهلها، فاغتصاب اليهود لفلسطين تم وفق رؤية دينية وليس وفق حاجة مكانية، وفلسطين -وفق ما هو متاح ومنظور- لن تعود إلى أهلها بغير القوة أو الجهاد في سبيل الله. واليهود الذين يسكنون أرض فلسطين ولاؤهم لدولتهم الغاصبة وليس لأوطانهم الأصلية وهم بمقتضى نظامهم مجندون في جيش دولة الاغتصاب للدفاع عنها ويشتركون في المعارك التي تخوضها الدولة الغاصبة أي أنهم خاضوا معارك الدولة اليهودية ضد مصر وطنهم وهذا كافٍ في إسقاط الجنسية عنهم. والمصريون كانت لهم أملاك في فلسطين وكذلك غيرهم من العرب من دول الخليج وغيرها وقد اغتصبها اليهود عام 48 عندما أقاموا دولتهم، فإخراج من أخرج منهم من مصر يعد عقوبة لهم على ما فعل أهلوهم وإخوانهم، وليس في معاقبة اليهودي المصري بما فعله اليهود الذين اغتصبوا فلسطين ظلم ولا تجاوز؛ لأنهم يقرونهم على ما فعلوه ومتضامنون معهم فيه وهم أولياء لهم وقد قال الله تعالى: "والذين كفروا بعضهم أولياء بعض"، فموالاة بعضهم لبعض تعطينا الحق في معاقبتهم بما فعل أولياؤهم، وقد أخرج مسلم في صحيحه "كانت ثقيف حلفاء لبنى عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجلًا من بني عقيل، فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق، قال: يا محمد، فأتاه، فقال: «ما شأنك؟» فقال: بم أخذتني، فقال: «أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف"، فلما كان بنو عقيل متحالفين مع ثقيف أخذهم بجريرة حلفائهم، وما بين اليهود أكبر من مجرد تحالف بل هم كيان واحد، ومن ثم فإن دعوة د.عصام بعودة اليهود المصريين إلى مصر لا تستند إلى أي أساس من الشريعة التي ينبغي أن تحكم تصرفاتنا جميعها، كما أنها لا تستند إلى أي منطق سياسي مستقيم فاليهود غاصبون ومحتلون ومعتدون ومن خرج من مصر منهم أعطاهم النظام الحاكم وقتها تعويضات، وفي ظل هجوم العلمانيين والليبراليين على الإسلام والإسلاميين يكون قول د.عصام بمثابة من يعطيهم سلاحًا ماضيًا في أيديهم يهاجمون به الإسلام والإسلاميين وإن كنت أُلاحظ خفوت أصواتهم وسكوت زعمائهم وقياداتهم عن مهاجمة ذلك القول وكأنهم لا يريدون الظهور بمظهر المعادي لليهود حتى لا تغضب عليهم أمريكا وتنزع غطاءها عنهم. ولتوضيح الأمور ولإزالة كل غبش حتى تكون الصورة نقية يجب على جماعة الإخوان وكذلك حزب الحرية والعدالة إصدار بيان كافٍ وشافٍ يوضحون فيه موقفهم من دعوة قيادي بارز من قياداتهم، لأن سكوتهم يعني إقرارًا ضمنيًا لكلامه، ولا يكفي في ذلك أن يصرح أحدهم بأن هذا رأي شخصي للدكتور عصام لأنه ليس شخصًا عاديًا بل قيادة لها حضور قوي، وهو ما ينذر بالخطر في حالة استطاع حزب الحرية والعدالة الحصول على أغلبية في البرلمان فربما سنوا قانونًا يتيح العودة لمن أراد من اليهود، خاصة أن الدستور قد احتوى لأول مرة على مادة تتيح لليهود التحاكم إلى مبادئ شريعتهم ما يشي بتهيئة المناخ لقدومهم. من هنا وتحسبًا لأي موقف قد يضر بمصر وساكنيها وحفاظًا عليها فعلى الإخوان وحزب الحرية والعدالة التبرؤ من تصريح د.عصام بطريقة واضحة بغير لبس وإلا فإني أدعو لعدم انتحاب الإخوان في الانتخابات البرلمانية القادمة خاصة أنه يوجد إسلاميون آخرون أكفاء ولا يشك في فهمهم ولا ولائهم للدين، ومن ثم فإن الساحة لن تخلو بترك انتخابهم للعلمانيين أو الليبراليين، ويكفيهم أن معهم الرئاسة حتى يكون هناك توازن في توزيع السلطة وعلى حد المثل القائل لا تضع بيضك كله في سلة واحدة.